للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الكَفارة لا تَجبُ على مِنْ حلَفَ يَمينًا غَموسًا، وأنَّ عليه أنْ يُؤديَ ما اقتَطعَه مِنْ مالِ أخِيه ثم يَتوبَ إلى اللهِ ويَستَغفرُه وهو فيه بالخِيارِ إنْ شاءَ غفَرَ له وإن شاءَ عذَّبَه وأما الكَفارة فلا مَدخلَ لها في اليَمينِ الكاذبةِ إذا حلَفَ بها صاحبُها عَمدًا مُتعمدًا للكَذبِ لقولِه تَعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٧]، فقد بيَّنَ جَزاءَ اليَمينِ الغَموس بالوَعيدِ في الآخرةِ فلو كانَت الكَفارة فيها واجبةً لكانَ الأَولى بَيانُها، ولأنَّ الكَفارة لو وجَبَت إنَّما تَجبُ لرَفعِ هذا الوَعيدِ المَنصوصِ، وذلك لا يَقول به أحدٌ.

ولقولِه تَعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]، فأخبَرَ أنَّ المُؤاخذةَ بالكَفارةِ لا تَكون إلا في يَمينٍ مُنعقِدةٍ، والغَموس وقَعَت مَحلولةً غيرَ مُنعقِدةٍ، بدَليل أنَّ المُنعقِدة ما أَمكنَ حلُّه؛ لأنَّه في مُقابلةِ المَحلولِ، والغَموسُ واقعةٌ على وَجهٍ واحدٍ فلا يُتصوَّرُ ذلك فيها، وقولُه: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، يُريدُ مُراعاتَها ليُؤديَ الكَفارة بالحِنثِ فيها، وذلك يَقتضِى أن تَكون اليَمينُ ممّا يُمكنُ حِفظُها ومُراعاتُها بأن تُعلَّقَ بما يَتأتَّى به البِرُّ والحِنثُ، وهو لا يَتأتَّى في الغَموسِ.

ولحَديثِ أَبي هُريرةَ مَرفوعًا: «وخَمسٌ ليسَ لهنَّ كَفارة الشركُ

<<  <  ج: ص:  >  >>