للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قالَ قائلٌ: فإنَّ اللهَ -تَعالى ذِكرُه- قد عمَّ بالخبَرِ بذلك عن جَميعِ مَنْ لمْ يَحكمْ بما أنزَلَ اللهُ فكيفَ جعلْتَه خاصًّا؟ قيلَ: إنَّ اللهَ تَعالى عمَّ بالخبَرِ بذلك عن قَومٍ كانوا بحُكمِ اللهِ الذي حكَمَ به في كِتابِه جاحدينَ، فأخبَرَ عنهم أنَّهم بتَركِهم الحُكمَ على سَبيلِ ما تَركوه كافِرونَ.

وكذلك القَولُ في كلِّ مَنْ لمْ يَحكمْ بما أنزَلَ اللهُ جاحدًا به هو باللهِ كافرٌ كما قالَ ابنُ عَباسٍ؛ لأنَّه بجُحودِه حُكمَ اللهِ بعدَ عِلمِه أنَّه أنزَلَه في كِتابِه نَظيرُ جُحودِه نُبوةَ نَبيِّه بعدَ عِلمِه أنَّه نَبيٌّ» (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ العَربيِّ : «قالَ طاوسٌ وغيرُه -في قَولِه تَعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)[المائدة: ٤٤]-: «ليسَ بكُفرٍ يَنقلُ عن المِلةِ، ولكنهَّ كُفرٌ دونَ كُفرٍ، وهذا يَختلفُ إنْ حكَمَ بما عندَه على أنَّه مِنْ عندِ اللهِ فهو تَبديلٌ له يُوجبُ الكُفرَ، وإنْ حكَمَ به هَوى ومَعصيةً فهو ذَنبٌ تُدركُه المَغفرةُ على أَصلِ أَهلِ السُّنةِ في الغُفرانِ للمُذنبينَ» (٢).

وقالَ الإِمامُ القُرطبيُّ : «قالَ ابنُ مَسعودٍ والحَسنُ: هي عامةٌ في كلِّ مَنْ لمْ يَحكمْ بما أنزَلَ اللهُ مِنْ المُسلِمينَ واليَهودِ والكُفارِ، أيْ: مُعتقدًا ذلك ومُستحلًّا له، فأمَّا مَنْ فعَلَ ذلك وهو مُعتقدٌ أنَّه راكبُ مُحرمٍ فهو مِنْ فُساقِ المُسلِمينَ وأَمرُه إلى اللهِ تَعالى إنْ شاءَ عذَّبَه وإنْ شاءَ غفَرَ له» (٣).


(١) «تفسير الطبري» (٦/ ٢٥٧).
(٢) «أحكام القرآن» (٢/ ١٢٧).
(٣) «تفسير القرطبي» (٦/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>