للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كانَ المُقِرُّ سَفيهًا وأقَرَّ بمالٍ لا يَصحُّ إِقرارُه بهذا المالِ، وكذا سائِرُ تَصرُّفاتِه الماليةِ لأنَّه مَحجورٌ عليه.

وخالَفَ في ذلك الإمامُ أَبو حَنيفةَ فقالَ بعَدَمِ الحَجرِ على السَّفيهِ إذا بلَغَ عاقِلًا ثم حصَلَ له سَفهٌ ويَصحُّ منه جَميعُ تَصرُّفاتِه؛ لأنَّه لا يَرى الحَجرَ عليه أصلًا (١).

وأمَّا الحَنابِلةُ في المَذهبِ فقالوا: إنْ أقَرَّ السَّفيهُ بمالٍ صحَّ إِقرارُه، ولم يَلزَمْه ما أقَرَّ به في حالِ حَجرِه، بل يُتبَعُ به بعدَه؛ لأنَّه مُكلَّفٌ أقَرَّ بما لا يَلزَمُه في الحالِ، فلزِمَه بعدَ فَكِّ الحَجرِ عنه كالعَبدِ يُقِرُّ بدَينٍ والراهِنِ على الرَّهنِ والمُفلِسِ على المالِ. لكنْ إنْ علِمَ الوَليُّ صِحةَ ما أقَرَّ به السَّفيهُ كدَينِ جِنايةٍ ونَحوِه لزِمَه أَداؤُه.

وفي قَولٍ أنَّ السَّفيهَ إذا أقَرَّ بمالٍ كالدَّينِ أو بما يُوجِبُه كجِنايةِ الخَطأِ وشِبهِ العَمدِ وإِتلافِ المالِ وغَصبِه وسَرِقَتِه لم يُقبَلْ إِقرارُه به؛ لأنَّه مَحجورٌ عليه لحَظِّه، فلم يَصحَّ إِقرارُه بالمالِ كالصَّبيِّ والمَجنونِ، ولأنا لو قَبِلنا إِقرارَه في مالِه لَزالَ مَعنى الحَجرِ؛ لأنَّه يَتصرَّفُ في مالِه ثم يُقِرُّ به فيَأخذُه المُقِرُّ له؛ ولأنَّه أقَرَّ بما هو مَمنوعٌ مِنْ التَّصرُّفِ فيه كإِقرارِ الراهِنِ على الرَّهنِ والمُفلِسِ على المالِ.


(١) «المبسوط» (١٨/ ١٤٥، ١٤٨)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٢٢)، و «مجمع الضمانات» (٢/ ٧٦٦)، و «غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر» (٣/ ١٧٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٨٥)، و «البيان» (١٣/ ٤١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>