للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيةُ: لأنَّ السَّكرانَ -وإنْ كانَ مُكلَّفًا- مَحجورٌ عليه في المالِ، وكما لا يَلزَمُه إِقرارُه لا تَلزَمُه سائِرُ عُقودِه مِنْ بَيعٍ وإِجارةٍ وهِبةٍ وصَدَقةٍ وحَبسٍ، بخِلافِ جِناياتِه، فإنَّها تَلزَمُه (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في وَجهٍ إلى أنَّه لا يُشتَرطُ الصَّحوُ فيَصِحُّ إِقرارُ السَّكرانِ بمُحرِّمٍ وتَنفُذُ أَقوالُه فيما له وعليه عندَ الشافِعيةِ حتى لو أقَرَّ بحَقٍّ للَّهِ أو لآدَميٍّ فإنَّه يُؤاخَذُ بهِ (٢).

وقالَ الحَنفيةُ: يُؤاخَذُ السَّكرانُ بحُقوقِ العِبادِ الماليةِ بخِلافِ حُقوقِ اللهِ تَعالى، فلا يَصحُّ إِقرارُ السَّكرانِ به، وإنَّ ما لم يَكنْ خالِصًا للَّهِ تَعالى فإنَّه يَصحُّ إِقرارُه به كحَدِّ القَذفِ؛ لأنَّ فيه حَقَّ العَبدِ، والسَّكرانُ فيه كالصاحي عُقوبةً عليه كما في سائِرِ تَصرُّفاتِه.

والحاصِلُ أنَّ إِقرارَه بالحُدودِ لا يَصحُّ، إلا حَدَّ القَذفِ، وإِقرارُه بسَببِ القِصاصِ وسائِرِ الحُقوقِ مِنْ المالِ والطَّلاقِ والعَتاقِ وغَيرِها صَحيحٌ، لأنَّها لا تَقبَلُ الرُّجوعَ.

ولِذا إذا أقَرَّ بالسَّرِقةِ ولم يُقطَعْ لسُكرِه أُخِذَ منه المالُ وصارَ ضامِنًا له، وأمَّا ارتِدادُه فليسَ بصَحيحٍ، فلا تَبينُ منه امرَأتُه؛ لأنَّ الكُفرَ مِنْ بابِ


(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٨٥)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ١٠٤).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (١١/ ٢٠٠)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٨٠)، و «تحفة المحتاج» (٦/ ٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>