وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّه يُوقَفُ الأمرُ إلى أنْ يَصطَلِحا؛ لأنَّ أحَدَهما صادِقٌ في الباطِنِ والآخَرَ كاذِبٌ، ويُرجَى انكِشافُ الصادِقِ منهما، فوجَبَ التَّوقُّفُ إلى أنْ نَتبيَّنَ الصادِقَ، كما لو زوَّجَ المَرأةَ وَليَّانِ لها برَجلَينِ وسبَقَ أحَدُهما وأُشكِلَ السابِقُ.
وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يُقرَعُ بينَهما، فمَن خرَجَت له القُرعةُ حُكِمَ له بالعَينِ؛ لما رَوى سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ:«أنَّ قَومًا اختَصَموا إلى النَّبيِّ ﷺ وتَساوَت بيِّناتُهم في العَدالةِ والعَددِ، فأسهَمَ النَّبيُّ ﷺ بَينَهم، وقَضى للذي خرَجَ له السَّهمُ»، ولأنَّ المُدَّعِيَينِ قد تَساوَيا في الدَّعوى والبَيِّنةِ فأقرَعَ بينَهما، كما لو أعتَقَ رَجلٌ في مَرضِ مَوتِه عَبيدًا لا يَخرُجونَ من ثُلثِه.
وهل يَحلِفُ مَنْ خرَجَت له القُرعةُ؟
فقال الحَنابِلةُ والشافِعيةُ في قَولٍ: يَحلِفُ؛ لأنَّ القُرعةَ ضَعيفةٌ، فرجَحَت باليَمينِ ورجَحَت بهما البَيِّنةُ، فيَكونانِ بمَجموعِهما قائِمَين مَقامَ اليَدِ التي تَترجَّحُ بها إِحدى البَيِّنتَينِ.
وقالَ الشافِعيةُ في القَولِ الثانِي: لا يَجبُ عليه أنْ يَحلِفَ، وهو الأصَحُّ؛ لأنَّ البَيِّنةَ تَرجَّحَت بالقُرعةِ؛ لأنَّ كلَّ دَليلَينِ تَقابَلا ووُجِدَ معَ أحَدِهما تَرجيحٌ قُدِّمَ ولم يُطلَبْ تَرجيحٌ آخَرُ، كما لو كانَ معَ إِحدى البَيِّنتَينِ يَدٌ (١).
(١) «البيان» (١٣/ ١٦٣، ١٦٤)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥١٣، ٥١٤)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ٤٣١)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٤٥٥)، و «تحفة المحتاج» (١٢/ ٥٠٧)، و «المغني» (١٠/ ٢٥١، ٢٥٢)، و «الكافي» (٤/ ٤٩٠).