وأمَرَني بمَحقِ المَعازِفِ والمَزاميرِ، لا يَحِلُّ بَيعُهنَّ ولا شِراؤُهنَّ ولا تَعليمُهُنَّ ولا التِّجارةُ فيهِنَّ، وثَمَنُهنَّ حَرامٌ، يَعني الضارِباتِ».
ورَوى نافِعٌ قالَ:«سمِعَ ابنُ عُمرَ مِزمارًا، قالَ: فوضَعَ أُصبُعَيه في أُذُنَيه ونَأى عن الطَّريقِ وقالَ لي: يا نافِعُ، هل تَسمَعُ شَيئًا؟ قالَ: فقُلتُ: لا، قالَ: فرفَعَ أُصبُعَيه من أُذُنَيه، وقالَ: كُنْتُ معَ النَّبيِّ ﷺ فسمِعَ مِثلَ هذا فصنَعَ مِثلَ هذا»، رَواه الخَلَّالُ في جامِعِه من طَريقَينِ، ورَواه أَبو داودَ في سُنَنِه وقالَ: حَديثٌ مُنكَرٌ.
وقد احتَجَّ قَومٌ بهذا الخبَرِ على إباحةِ المِزمارِ وقالَوا: لو كانَ حَرامًا لمنَعَ النَّبيُّ ﷺ ابنَ عُمرَ مِنْ سَماعِه ومَنَعَ ابنُ عُمرَ نافِعًا من استِماعِه ولأنكَرَ على الزامِرِ بها.
قُلنا: أمَّا الأولُ فلا يَصحُّ؛ لأنَّ المُحرَّمَ استِماعُها دونَ سَماعِها، والاستِماعُ غيرُ السَّماعِ، ولهذا فَرَّقَ الفُقهاءُ في سُجودِ التِّلاوةِ بينَ السامِعِ والمُستمِعِ ولم يُوجِبوا على مَنْ سمِعَ شَيئًا مُحرَّمًا سَدَّ أُذُنَيه وقالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: ٥٥] ولم يَقُلْ: سَدُّوا آذانَهم، والمُستمِعُ هو الذي يَقصِدُ السَّماعَ ولم يُوجَدْ هذا من ابنِ عُمرَ وإنَّما وُجِدَ منه السَّماعُ، ولأنَّ بالنَّبيِّ ﷺ حاجةً إلى مَعرفةِ انقِطاعِ الصَّوتِ عنه؛ لأنَّه عدَلَ عن الطَّريقِ وسَدَّ أُذُنَيه فلم يَكنْ ليَرجِعَ إلى الطَّريقِ ولا ليَرفعَ أُصبُعَيه عن أُذُنَيه حتى يَنقطِعَ الصَّوتُ عنه فأُبيحَ للحاجةِ.
وأمَّا الإِنكارُ فلعَلَّه كانَ في أولِ الهِجرةِ حين لم يَكُنِ الإِنكارُ واجِبًا أو قبلَ إِمكانِ الإِنكارِ لكَثرةِ الكُفارِ وقِلةِ أهلِ الإِسلامِ.