وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا تُقبلُ شَهادةُ امرأتَينِ ويَمينُ المُدَّعي؛ لأنَّ البيِّنةَ على المالِ إذا خَلَت من رَجلٍ لم تُقبَلْ، كما لو شهِدَ أربَعُ نِسوةٍ لم يُقبَلْنَ؛ لأنَّ النِّساءَ لا تُقبلُ شَهادَتهُنَّ في ذلك مُنفَرِداتٍ.
وما ذَكَروه يَبطُلُ بهذه الصُّورةِ؛ فإنَّهما لو أُقيمَتا مَقامَ رَجلٍ مِنْ كلِّ وَجهٍ لكَفى أربَعُ نِسوةٍ مَقامَ رَجلَينِ ولقُبلَ في غيرِ الأَموالِ شَهادةُ رَجلٍ وامرأتَينِ، ولأنَّ شَهادةَ المَرأتَينِ ضَعيفةٌ تَقوَّتْ بالرَّجلِ، واليَمينُ ضَعيفةٌ، فيُضَمُّ ضَعيفٌ إلى ضَعيفٍ فلا يُقبلُ (١).
قالَ ابنُ القَيمِ ﵀: الحُكمُ بشَهادةِ امرأتَينِ ويَمينِ المُدَّعي في الأَموالِ وحُقوقِها: وهذا مَذهبُ مالِكٍ، وأحَدُ الوَجهَينِ في مَذهبِ الإمامِ أحمدَ، حَكاه شَيخُنا واختارَه، وظاهِرُ القُرآنِ وظاهِرُ السُّنةِ يَدُلانِ على صِحةِ هذا القَولِ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه أقامَ المَرأتَينِ مَقامَ الرَّجلِ، والنَّبيُّ ﷺ قالَ في الحَديثِ الصَّحيحِ:«أليسَ شَهادةُ المَرأةِ مِثلَ نِصفِ شَهادةِ الرَّجلِ؟ قُلنَ: بلى»، فهذا يَدلُّ بمَنطوقِه على أنَّ شَهادتَها وَحدَها على النِّصفِ، وبمَفهومِه على أنَّ شَهادتَها معَ مَثيلَتِها كشَهادةِ الرَّجلِ، وليسَ في القُرآنِ ولا في السُّنةِ ولا في الإِجماعِ ما يَمنعُ من ذلك، بل القياسُ الصَّحيحُ يَقتَضيه؛ فإنَّ المَرأتَينِ إذا قامَتا مَقامَ الرَّجلِ -إذا كانَتا معه- قامَتا مَقامَه، وإنْ لم تَكونا معه؛ فإنَّ قَبولَ شَهادَتِهما لم يَكنْ لمَعنى الرَّجلِ، بل لمَعنًى فيهما، وهو
(١) «روضة الطالبين» (٧/ ٤٣٣)، و «المغني» (١٠/ ١٥٩)، و «الإنصاف» (١٢/ ١١٥)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٦٣٢)، و «منار السبيل» (٣/ ٥١٤).