ولأنَّ المُعاداةَ لأجلِ الدُّنيا حَرامٌ، فمَن ارتَكبَها لا يُؤمَنُ مِنْ التَّقوُّلِ عليه، ولئلَّا يُتَّخذَ ذلك ذَريعةً إلى بُلوغِ غَرضِه مِنْ عَدُوِّه بالشَّهادةِ الباطِلةِ.
ولأنَّ التُّهمةَ بينَهما غالِبًا في الطِّباعِ، فكانَت مُؤثِّرةً في رَدِّ الشَّهادةِ كالتُّهمةِ بَينَ الأبِ والابنِ.
وإذا كانَ ذلك لم تُقبَلْ شَهادةُ المَقذوفِ على القاذِفِ، ولا المَغصوبِ منه على الغاصِبِ، ولا المَسروقِ منه على السارِقِ، ووَليِّ المَقتولِ على القاتِلِ، والزَّوجِ على امرَأتِه إذا زَنَت في فِراشِه، إلى نَظائرِ هذا.
والعَداوةُ التي تُرَدُّ بها الشَّهادةُ أنْ تَبلُغَ حَدًّا يَتمَنَّى فيه زَوالَ نِعمتِه ويَفرَحَ لمُصيبَتِه ويَحزَنَ لمَسرَّتِه، وذلك قد يَكونُ من الجانبَينِ، وقد يَكونُ مِنْ أحَدِهما فيُخَصُّ برَدِّ شَهادتِه على الآخَرِ.
وإذا منَعَت العَداوةُ من الشَّهادةِ على العَدُوِّ، لم تَمنَعْ من الشَّهادةِ له؛ لأنَّه مُتَّهمٌ في الشَّهادةِ عليه، وغَيرُ مُتَّهَمٍ في الشَّهادةِ له؛ لأنَّ ما بعَثَ على العَداوةِ لا يَكونُ جَرحًا تَسقُطُ به الشَّهادةُ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: مَسألةٌ: قالَ ولا تُقبلُ شَهادةُ خَصمٍ ولا جارٍ على نَفسِه ولا دافِعٍ عنها.
(١) «المبسوط» (١٦/ ١٣٣)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ٧٦)، و «أحكام القرآن» (١/ ٣٨٧، ٣٨٨)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣٤٧)، و «الحاوي الكبير» (١٧/ ١٦١، ١٦٢)، و «شرح السُّنة» (١٠/ ١٢٨)، و «المهذب» (٢/ ٣٣٠)، و «البيان» (١٣/ ٣١٠، ٣١١)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٣٨٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٤٢٠)، و «المغني» (١٠/ ١٨٢)، و «الكافي» (٤/ ٥٣١) «إعلام الموقعين» (٣/ ١٤٤)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٠٩).