للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا العَداوةُ فسَببُها مَحظورٌ، وفي الشَّهادةِ عليه شِفاءُ غَيظِه منه، فخالَفَت الصَّداقةَ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ الصَّديقَ المُلاطِفَ -وهو الذي يَسرُّه ما يَسرُّك ويَضرُّه ما يَضرُّك- لا تُقبلُ شَهادتُه لصَديقِه إلا بشَرطِ أنْ يَكونَ بارِزًا في العَدالةِ، وألَّا يَكونَ في عيالِه يَأكلُ معهم ويَسكنُ عندَهم كأنَّه مِنْ أَفرادِهم؛ لما رُويَ مَرفوعًا: «لا تُقبلُ شَهادةُ خَصمٍ ولا ظِنِّينٍ» (٢).

ولأنَّ التُّهمةَ بينَهما مُقرَّرةٌ في العادةِ؛ لأنَّه مَعلومٌ أنَّ الإِنسانَ إذا كانَت بَينَه وبَينَ إِنسانٍ صَداقةٌ ومَودَّةٌ يَبَرُّه ويَصِلُه؛ فإنَّه يُحِبُّ جَرَّ النَّفعِ إليه ودَفعَ الضَّررِ عنه قياسًا، فنَقولُ: لأنَّها تُهمةٌ في العادةِ غالِبةٌ مُقرَّرةٌ بالطِّباعِ في مَحبةِ النَّفعِ ودَفعِ الضَّررِ كشَهادةِ الأبِ والابنِ.

ولأنَّ التُّهمةَ بالصَّداقةِ على الوَصفِ الذي ذكَرْناه في مُقابَلةِ التُّهمةِ بالعَداوةِ، فلمَّا كانَت العَداوةُ مُؤثِّرةً في مَنعِ الشَّهادةِ فكذلك الصَّداقةُ (٣).

وهو قَولُ ابنِ عَقيلٍ من الحَنابِلةِ، قالَ المَرداويُّ : قَولُه: وتُقبلُ شَهادةُ الصَّديقِ لصَديقِه، هذا المَذهبُ وعليه الأَصحابُ.


(١) «المغني» (١٠/ ١٨٨)، و «البحر الرائق» (٧/ ٨٥).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: تقدم.
(٣) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ٧٥)، رقم (١٨٢٨)، و «أحكام القرآن» (١/ ٦٣٨)، و «تفسير القرطبي» (١٢/ ٣١٦)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٨٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>