وخالَفوهم فيها، ولم يَردُّوا شَهادتَهم بما رَأَوْا من خِلافِهم، فكلُّ مُستحِلٍّ بتَأويلٍ من قَولٍ أو غيرِه فشَهادتُه ماضيةٌ لا تُردُّ من خَطأٍ في تَأويلِه، وذلك أنَّه قد يَستحِلُّ مَنْ خالَفَه الخَطَأَ، إلا أنْ يَكونَ منهم من يُعرفُ باستِحلالِ شَهادةِ الزُّورِ على الرَّجلِ؛ لأنَّه يَراه حَلالَ الدَّمِ أو حَلالَ المالِ فتُردُّ شَهادتُه بالزُّورِ أو يَكونُ منهم مَنْ يَستحِلُّ أو يَرى الشَّهادةَ للرَّجلِ إذا وثِقَ به فيَحلِفُ له على حَقِّه ويَشهَدُ له بالبَتِّ ولم يَحضُرْه ولم يَسمَعْه، فتُردُّ شَهادتُه من قبَلِ استِحلالِه الشَّهادةَ بالزُّورِ، أو يَكونُ منهم مَنْ يُبايِنُ الرَّجلَ المُخالِفَ له مُبايَنةَ العَداوةِ له فتُردُّ شَهادتُه من جِهةِ العَداوةِ، فأيَّ هذا كانَ فيهم أو في غيرِهم ممَّن لا يُنسَبُ إلى هَوًى رَدَدتُ شَهادتَه، وأيُّهم سلِمَ من هذا أجَزتُ شَهادتَه.
وشَهادةُ مَنْ يَرى الكَذبَ شِركًا باللهِ، أو مَعصيةً له، يُوجِبُ عليها النارَ، أَولَى أنْ تَطيبَ النَّفسُ عليها مِنْ شَهادةِ مَنْ يُخفِّفُ المَأثمَ عليها، وكذلك إذا كانوا ممَّن يَشتِمُ قَومًا على وَجهِ تَأويلٍ في شَتمِهم لا على وَجهِ العَداوةِ، وذلك أنَّا إذا أجَزْنا شَهادتَهم على استِحلالِ الدِّماءِ كانَت شَهادتُهم بشَتمِ الرِّجالِ أَولَى ألَّا تُردَّ؛ لأنَّه مُتأوَّلٌ في الوَجهَينِ، والشَّتمُ أخَفُّ من القَتلِ (١).
وقالَ الإِمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: الفاسِقُ باعتِقادِه إذا كانَ مُتحفِّظًا في دِينِه؛ فإنَّ شَهادتَه مَقبولةٌ، وإنْ حكَمْنا بفِسقِه، كأهلِ البِدعِ والأَهواءِ الذين لا نُكفِّرُهم، كالرافِضةِ والخَوارجِ والمُعتزِلةِ ونَحوِهم، هذا مَنصوصُ الأئِمةِ.