وقالَ الحَنابِلةُ: لا تُقبلُ شَهادةُ فاسِقٍ من جِهةِ الاعتِقادِ، وهُم أهلُ البِدعِ، ولو اعتقَدَ أنَّه دِينُ حَقٍّ، فتُردُّ شَهادتُهم؛ لأنَّ ذلك أحدُ نَوعَيِ الفِسقِ فتُردُّ به الشَّهادةُ كالنَّوعِ الآخَرِ، ولأنَّ المُبتدِعَ فاسِقٌ فتُردُّ شَهادتُه للآيةِ، والمَعنى: فلو قلَّدَ في القَولِ بخَلقِ القُرآنِ أو نَفيِ رُؤيةِ اللهِ تَعالى في الآخِرةِ أو الرَّفضِ أو التَّجهُّمِ ونَحوِه كالتَّجسيمِ وخَلقِ العَبدِ أَفعالَه فسَقَ، ويُكفَّرُ مُجتهِدُهم الداعيةُ، قالَ المَجدُ: الصَّحيحُ أنَّ كلَّ بِدعةٍ كَفَّرنا فيها الداعيةَ فإنَّا نُفسِّقُ المُقلِّدَ فيها كمَن يَقولُ بخَلقِ القُرآنِ أو بأنَّ ألفاظَنا به مَخلوقةٌ أو أنَّ عِلمَ اللهِ ﷾ مَخلوقٌ، أو أنَّ أَسماءَه مَخلوقةٌ أو أنَّه لا يُرَى في الآخِرةِ، أو يَسُبُّ الصَّحابةَ تَديُّنًا، أو أنَّ الإِيمانَ مُجردُ الاعتِقادِ، وما أشبَهَ ذلك، فمَن كانَ عالِمًا في شَيءٍ من هذه البِدعِ يَدعو إليه ويُناظِرُ عليه فهو مَحكومٌ بكُفرِه، نَصَّ أَحمدُ على ذلك في مَواضِعَ.
واختارَ المُوفَّقُ: لا يُكفَّرُ مُجتهِدُهم الدَّاعيةُ لقَولِ أَحمدَ للمُعتصِمِ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ إلى قَبولِ شَهادةِ أهلِ الأَهواءِ من أهلِ البِدعِ إذا كانوا مُجتنِبينَ للكَذبِ إلا الخَطابيةَ مِنْ الرافِضةِ؛ فإنَّهم يُصدِّقونَ مَنْ حلَفَ عندَهم بأنَّ له على فُلانٍ كذا، فيَشهَدونَ بذلك، يَعتقِدونَ بأنَّه صادِقٌ في دَعواه، نُسِبوا إلى ابنِ الخَطابِ، وهو رَجلٌ بالكُوفةِ يَعتقِدُ أنَّ عليًّا هو
(١) «المغني» (١٠/ ١٦٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ٥٣١)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٦٦٣).