للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإِمامُ ابنُ رُشدٍ : أمَّا العَدالةُ؛ فإنَّ المُسلِمينَ اتَّفَقوا على اشتِراطِها في قَبولِ شَهادةِ الشاهِدِ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، ولقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢].

واختَلَفوا: ما العَدالةُ؟ فقالَ الجُمهورُ: هي صِفةٌ زائِدةٌ على الإِسلامِ، وهي أنْ يَكونَ مُلتزِمًا واجِباتِ الشَّرعِ ومُستَحباتِه، مُجتَنبًا المُحرَّماتِ والمَكروهاتِ، وقالَ أَبو حَنيفةَ: يَكفي في العَدالةِ ظاهِرُ الإِسلامِ وألَّا تُعلَمَ منه جَرحةٌ.

وسَببُ الخِلافِ -كما قُلنا-: تَردُّدُهم في مَفهومِ اسمِ العَدالةِ المُقابِلةِ للفِسقِ.

وذلك أنَّهم اتَّفَقوا على أنَّ شَهادةَ الفاسِقِ لا تُقبلُ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦]، الآيةَ.

ولم يَختَلِفوا في أنَّ الفاسِقَ تُقبلُ شَهادتُه إذا عُرفَت تَوبتُه إلا مَنْ كانَ فِسقُه من قبَلِ القَذفِ؛ فإنَّ أَبا حَنيفةَ يَقولُ: لا تُقبلُ شَهادتُه وإنْ تابَ.

والجُمهورُ يَقولونَ: تُقبلُ.

وسَببُ الخِلافِ: هل يَعودُ الاستِثناءُ في قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [النور: ٤، ٥] إلى أقرَبِ مَذكورٍ إليه أو على الجُملةِ، إلا ما خصَّصَه الإِجماعُ، وهو أنَّ التَّوبةَ لا تُسقِطُ عنه الحَدَّ (١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>