للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَّ له، بل وجَبَ؛ لاضطِرارِه إلى إبقاءِ رُوحِه، كالمَيتةِ لمُضطرٍّ، ويَجبُّ عليه التَّدريجُ في تَنقيصِه شيئًا فشَيئًا حتى يَزولَ تَولُّعُ المَعدةِ به مِنْ غيرِ أنْ تَشعرْ، فإنْ تركَ ذلكَ فهو آثِمٌ فاسِقٌ. اه مُلخَّصًا.

قالَ الرمليُّ: وقواعِدُنا لا تُخالفُه (١).

وسُئلَ ابنُ حَجرٍ الهَيتميُّ عمَّن ابتُليَ بأكلِ نحوِ الأفيونِ وصارَ إنْ لم يَأكلْ منه هلَكَ، هل يُباحُ له حِينئذٍ أكلُه أم لا؟

فأجابَ عَفَا اللهُ عنه بقَولِه: إذا علِمَ عِلمًا قَطعيًّا بقولِ الأطبَّاءِ أو التَّجربةِ الصحيحةِ الصادقةِ أنه لا دافِعَ لخَشيةِ هَلاكِه إلا أكلُه مِنْ نحوِ الأفيونِ القدْرَ الذي اعتادُه أو قَريبًا منه حَلَّ له أكلُه، بل وجَبَ عليهِ؛ لأنه مُضطرٌّ إليه في بَقاءِ رُوحِه، فهو حينَئذٍ كالمَيتةِ في حَقِّ المُضطرِّ إليها بخُصوصِها، وقد صرَّحَ بذلكَ جَماعةٌ مع وُضوحِه، نعمْ أشارَ شيخُ الإسلامِ الحافظُ ابنُ حَجرٍ العَسقلانِيُّ إلى شيءٍ حَسنٍ يَتعيَّنُ اعتِمادُه، وهو أنه يَجبُ على مُتَعاطي ذلكَ السعيُ في قَطعِه بالتَّدريجِ، بأنْ يُقلِّلَ مما اعتادَه كلَّ يَومٍ قدْرَ سِمسمةٍ؛ فإنَّ نقْصَها لا يَضرُّه قَطعًا، فإذا استَمرَّ على ذلكَ لم تَمْضِ إلا مُدةٌ قليلةٌ وقد زالَ تَولُّعُ المَعدةِ به ونَسيتْه مِنْ غيرِ أنْ تَشعرَ ولا تَستضِرَّ لفَقدِه، فبِهذا أمكَنَ زَوالُه وقَطعُه، فهو وَسيلةٌ إلى إزالةِ ذلك المُحرَّمِ في ذاتِه وإنْ وجَبَ تَعاطيهِ؛ لأنَّ الوُجوبَ لِعارضٍ لا يُنافِي الحُرمةَ الذاتيةَ، كما أنَّ تَناولَ المُضطرِّ للمَيتةِ واجبٌ في حقِّه لعُروضِ الاضطرارِ مع بقائِها في حَدِّ


(١) «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>