للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ السَّرخسيُّ : كلُّ شَرابٍ مُحرَّمٍ فلا يُباحُ شُربُه للتداوِي، حتَّى رُويَ عن مُحمدٍ أنَّ رَجلًا أتَى يَستأذنُه في شُربِ الخَمرِ للتداوِي قالَ: (إنْ كانَ في بَطنِكَ صَفراءُ فعَليكِ بماءِ السُّكَّرِ، وإنْ كانَ بكَ رُطوبةٌ فعَليكَ بماءِ العَسلِ، فهوَ أنفعُ لكَ)، ففي هذا إشارةٌ إلى أنه لا تَتحققُ الضرورةُ في الإصابةِ مِنْ الحَرامِ؛ فإنه يُوجَدُ مِنْ جِنسِه ما يكونُ حَلالًا والمَقصودُ يَحصلُ بهِ، وقد دَلَّ عليهِ قولُ النبيِّ : «إنَّ اللهَ لم يَجعلْ في رِجسٍ شِفاءً»، ولم يُرِدْ به نفيَ الشفاءِ أصلًا؛ فقدْ يُشاهَدُ ذلكَ ولا يجوزُ أنْ يقَعَ الخُلفُ في خبَرِ الشَّرعِ ، ولكنَّ المُرادَ أنه لم يُعيِّنْ رِجسًا للشفاءِ على وَجهٍ لا يُوجَدُ مِنْ الحَلالِ ما يَعملُ عمَلَه أو يَكونُ أقوَى منه (١).

إلا أنَّ فُقهاءَ الحَنفيةِ قالوا: إنَّ الاستِشفاءَ بالمُحرَّمِ إنما لا يَجوزُ إذا لم يَعلمْ أنَّ فيه شِفاءً، أما إذا عَلِمَ أنَّ فيه شِفاءً وليسَ له دَواءٌ آخَرُ غيرَه فيَجوزُ الاستشفاءُ به؛ لأنَّ مُحمدًا ذكَرَ في كِتابِ الأشرِبةِ: إذا خافَ الرَّجلُ على نَفسِه العطشَ ووجَدَ الخمرَ شَربَها إنْ كانَ يَدفعَ عطَشَه، لكنْ يَشربُ بقَدرِ ما يَرويهِ ويَدفعُ عطشَه، ولا يَشربُ للزيادةِ على الكِفايةِ.

وأما قولُ ابنِ مَسعودٍ : «إنَّ اللهَ تعالى لم يَجعلْ شِفاءَكُم فيما حرَّمَ عليكُم» يَجوزُ أنَّ عبدَ اللهِ قالَ ذلك في داءٍ عُرفَ له دواءٌ غيرُ المُحرَّمِ؛ لأنه حِينئذٍ يَستغني بالحَلالِ عن الحَرامِ، ويَجوزُ أنْ يقالَ: تُكشَفُ الحُرمةُ عندَ الحاجةِ، فلا يكونُ الشفاءُ في الحَرامِ وإنما يكونُ في الحَلالِ.


(١) «المبسوط» (٢٤/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>