للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٥]، ولأنَّ إزالةَ الغصَّةِ بالخَمرِ واجِبةٌ إذا خافَ على نَفسِه الهَلاكَ ولم يَجدْ غيرَه؛ لأنَّ فيها صَونًا لإحياءِ النُّفوسِ.

وقالَ الإمامُ ابنُ هُبيرةَ : واتَّفقُوا على أنَّ مَنْ غصَّ بلُقمةٍ وخافَ الموتَ ولم يَجدْ ما يَدفعُها به سِوى الخمرَ فإنه يَجوزُ أنْ يَدفعَها بها (١).

إلا أنَّ الفُقهاءُ اختَلفوا هل يَجوزُ شُربُها لعَطشٍ مُهلِكٍ أو للجُوعِ؟ أم لا يَجوزُ؟ على تَفصيلٍ بينَهُم.

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في وَجهٍ إلى أنه يَجوزُ شُربُه الخَمرَ مِنْ أجلِ العَطشِ المُهلِكِ (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ على تَفصيلٍ عندَهم إلى أنه لا يَجوزُ شُربُ الخَمرِ للعَطشِ أو الجُوعِ.

قالَ المالِكيةُ: لا يَجوزُ شُربُ الخَمرِ لخَوفِ مَوتٍ بجُوعٍ أو عَطشٍ، وإنما جازَ شُربُ الخَمرِ لدَفعِ غصَّةٍ ولم يَجُزْ شُربُه لخَوفِ مَوتٍ بجُوعٍ أو عَطشٍ لزَوالِ الغصَّةِ بالخَمرِ تَحقيقًا أو ظنًّا قويًّا، بخِلافِ الجُوعِ والعَطشِ؛ فإنهُما لا يَزولانِ به بل يَزيدانِ؛ لِما في طَبعِه مِنْ الحَرارةِ والهَضمِ.

وفي قَولٍ اختارَه ابنُ العرَبيُّ وغيرُه أنه يَجوزُ شُربُ الخَمرِ للعَطشِ والجُوعِ إنْ رَدَّتْ عنه الجُوعَ والعطشَ؛ لأنها تُفيدُ تَخفيفَ ذلكَ على الجُملةِ ولو لَحظةً (٣).


(١) «الإفصاح» (٢/ ٢٩٥).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٣٩).
(٣) «التاج والإكليل» (٥/ ٣٦٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٦٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>