للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تائبًا بنَفسِه مِنْ غيرِ أنْ يُطلَبَ غفَرَ اللهُ له ولم يُقَمْ عليهِ الحَدُّ الذي اعتَرفَ بهِ، وهو أحَدُ القَولينِ في المَسألةِ، وهو إحدَى الرِّوايتينِ عن أحمَدَ، وهو الصَّوابُ.

فإنْ قيلَ: فماعِزٌ جاءَ تائبًا والغامِديةُ جاءَتْ تائِبةً وأقامَ عليهِما الحَدَّ.

قيلَ: لا رَيبَ أنهُما جاآ تائبَينِ، ولا رَيبَ أنَّ الحَدَّ أُقيمَ عليهِما، وبهِما احتَجَّ أصحابُ القَولِ الآخَرِ، وسألْتُ شَيخَنا عن ذلكَ فأجابَ بما مَضمونُه بأنَّ الحَدَّ مُطهِّرٌ وأنَّ التَوبةَ مُطهِّرةٌ، وهُما اختارَا التطهيرَ بالحَدِّ على التَّطهيرِ بمُجرَّدِ التوبةِ، وأبَيَا إلا أنْ يُطهَّرَا بالحَدِّ، فأجابَهُما النبيُّ إلى ذلكَ، وأرشَدَ إلى اختيارِ التطهيرِ بالتوبةِ على التَّطهيرِ بالحَدِّ، فقالَ في حَقِّ ماعزٍ: «هلَّا تَركْتُموهُ يَتوبُ فيَتوبَ اللهُ عليهِ»، ولو تَعيَّنَ الحَدُّ بعدَ التوبةِ لَمَا جازَ تَركُه، بلِ الإمامُ مُخيَّرٌ بينَ أنْ يَتركَه كما قالَ لصاحِبِ الحَدِّ الذي اعتَرفَ بهِ: «اذهَبْ فقدْ غفَرَ اللهُ لكَ»، وبينَ أنْ يُقيمَه كما أقامَه على ماعِزٍ والغامِديةِ لمَّا اختارَا إقامتَه وأبَيَا إلا التطهيرَ بهِ، ولذلكَ رَدَّهما النبيُّ مِرارًا وهُما يَأبَيانِ إلا إقامتَهُ عليهِما، وهذا المَسلكُ وَسطٌ بينَ مَسلكِ مَنْ يَقولُ: لا تَجوزُ إقامَتُه بعدَ التوبةِ ألبتَّةَ، وبينَ مَسلكِ مَنْ يَقولُ: لا أثَرَ للتَّوبةِ في إسقاطِه ألبتَّةَ، وإذا تأمَّلْتَ السُّنةَ رَأيتَها لا تَدلُّ إلا على هذا القَولِ الوَسطِ، واللهُ أعلَمُ (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٢/ ٩٧، ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>