خرَجَ أهلُ أحَدِ طَرفَي البلدِ على الطرَفِ الآخَرِ وكانَ لا يَلحقُ المَقصودينَ غَوثٌ لو استَغاثُوا فهُم قُطَّاعُ طَريقٍ، وإنْ كانَ يَلحقُهم غَوثٌ فهُم مُنتهِبونَ لَيسُوا قُطَّاعًا، وامتِناعُ لَحاقِ الغَوثِ لضَعفِ السُّلطانِ أو لبُعدِه وبُعدِ أعوانِه، وقد يَغلبُ أهلُ الفَسادِ في مثلِ هذهِ الحالةِ، فلا يُقاوِمُهم أهلُ العفَّةِ وتَتعذَّرُ عليهِم الاستِغاثةُ.
ولو دخَلَ جَماعةٌ بالليلِ دارًا وكابَرُوا ومَنَعوا أصحابَ الدارِ مِنْ الاستِغاثةِ مع قوَّةِ السُّلطانِ وحُضورهِ فالأصَحُّ أنهُم قُطَّاعٌ، وقيلَ: سُرَّاقٌ، وقيلَ: مُختلِسونَ (١).
وذهَبَ الحَنابلةُ في المَذهبِ -وأبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ- إلى أنه لا يُشترطُ أنْ يَكونوا في صَحراءَ، بل كلُّ مَنْ خرَجَ مِنْ قطَّاعِ الطريقِ ليأخُذَ المالَ -سَواءٌ كانَ في صَحراءَ أو بُينانٍ أو بَحرٍ -كما يَقولُ الحَنابلةُ- فإنه قاطِعُ طَريقٍ؛ لعُمومِ قَولِ اللهِ تعالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)﴾ [المائدة: ٣٣]، ولم يُفرِّقْ بينَ أنْ يكونَ ذلكَ في الصَّحراءِ أو في المِصرِ؛ ولأنه إذا وجَبَتْ عليهِم هذه الحُدودُ إذا فَعَلوها في الصَّحراءِ -وهو مَوضعُ الخَوفِ- فلَأنْ يَجبَ عليهِم ذلكَ إذا
(١) «روضة الطالبين» (٦/ ٥٩٧)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٢٠٤)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٩٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute