للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الواجِبَ قَطعُ السارقِ، والجاحِدُ غيرُ سارقٍ، وإنما هو خائِنٌ، فأشبَهَ جاحِدَ الوَديعةِ.

وأمَّا رِوايةُ المَخزوميةِ فلا دَلالةَ فيه على وُجوبِ القَطعِ على المُستعيرِ إذا خانَ؛ إذْ ليسَ فيهِ أنه قطَعَها لأجْلِ جُحودِها للعارِيةِ، وإنَّما ذكَرَ جُحودَ العارِيةِ تَعريفًا لها؛ إذْ كانَ ذلكَ مُعتادًا مِنها حتَّى عُرفَتْ بهِ، فذكرَ ذلكَ على وَجهِ التَّعريفِ؛ لأنه ثبَتَ في الحَديثِ عن عائِشةَ أنَّ قُريشًا أهَمَّهُم شَأنُ المَرأةِ المَخزومِيةِ التي سرَقَتْ فقالُوا: مَنْ يُكلِّمُ فيها رَسولَ اللهِ ؟ فقالوا: ومَن يَجترِئُ عليهِ إلا أسامةُ حِبُّ رَسولِ اللهِ ؟! فكَلَّمَه أُسامةُ فقالَ رَسولُ اللهِ : أتَشفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ؟! ثمَّ قامَ فاختَطَبَ فقالَ: أيُّها الناسُ إنَّما أَهلَكَ الذينَ قبلَكُم أنهُم كانوا إذا سَرقَ فيهمُ الشَّريفُ تَرَكوهُ، وإذا سَرقَ فيهمُ الضَّعيفُ أقاموا عَليهِ الحَدَّ، وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطِمةَ بنتَ مُحمدٍ سَرقَتْ لَقطَعتُ يَدَها» (١)، وهي هذهِ المَرأةُ التي ذُكرَ في الخبَرِ أنها كانَتْ تَستعيرُ المَتاعَ وتَجحدُه، فبيَّنَ في هذهِ الأخبارِ أنه قطَعَها لسَرقتِها لا لجُحودِها العاريةَ؛ لقَولِه فيهِ لأسامةَ: «أتَشفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ»، وليسَ للهِ ﷿ في كِتابِه ولا في المَعروفِ مِنْ سُنةِ نَبيِّه حَدٌّ مِنْ حُدودِه فيمَن استَعارَ المَتاعَ وجحَدَه.

وفي الحَديثِ دَليلٌ آخَرُ، وهو قَولُه : «إنَّما أَهلَكَ الذِينَ قبلَكُم أنهُم كانوا إذا سرَقَ فيهمُ الشَّريفُ تَرَكوهُ، وإذا سَرقَ فيهمُ الضَّعيفُ


(١) رواه البخاري (٦٤٠٦)، ومسلم (١٦٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>