ذلكَ وُجوبَ القَطعِ، ولِما رُويَ عن مَكحولٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ:«لا قَطْعَ في مَجاعةِ مُضطرٍّ».
وذكرَ عن الحسَنِ عن رَجلٍ قالَ:«رأيتُ رَجلينِ مَكتوفينِ ولَحمًا فذَهبْتُ معهُم إلى عُمرَ ﵁ فقالَ صاحِبُ اللحمِ: كانَتْ لنا ناقةٌ عُشراءُ نَنتظرُها كما يُنتظَرُ الرَّبيعُ، فوجَدْتُ هذَينِ قد اجتَزَراها، فقالَ عُمرُ ﵁: هل يُرضِيكَ مِنْ ناقتِكَ ناقَتانِ عُشراوانِ مُربِعتانِ؟ فإنَّا لا نَقطعُ في العِذْقِ ولا في عامِ السَّنةِ، وكانَ ذلكَ في عامِ السَّنةِ».
والعُشراءُ: هي الحامِلُ التي أتَى عليها عَشرةُ أشهُرٍ وقَرُبَ وِلادتُها، فهي أعَزُّ ما يكونُ عندَ أهلِها، يَنتظِرونَ الخِصبَ والسَّعةَ بلَبنِها كما يَنتظِرونَ الرَّبيعَ.
وقولُه:«فإنَّا لا نَقطعُ في العِذقِ» مِنهم مَنْ يَروي: «في العِرقِ» وهو اللَّحمُ، والأشهَرُ العِذقُ، وهو الكِبَاسةُ، ومَعناهُ: لا قطْعَ في عامِ السَّنةِ للضَّرورةِ والمَخمصةِ (١).
أمَّا الشافِعيةُ فقالوا: وإنْ سرَقَ سارقٌ الطعامَ عامَ المَجاعةِ .. نُظرَ: فإنْ كانَ الطَّعامُ مَوجودًا وإنما هو غالٍ .. وجَبَ عليهِ القَطعُ؛ لأنه إذا كانَ مَوجودًا .. فليسَ لأحَدٍ أخذُه بغَيرِ إذنِ مالكِه، فهو كالطَّعامِ في غيرِ المَجاعةِ.
(١) «المبسوط» (٩/ ١٤٠)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٣٦٧)، و «البحر الرائق» (٥/ ٥٨).