للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفُوا في العبدِ يَقذفُ الحرُّ كم حَدُّه؟ فقالَ الجُمهورُ مِنْ فُقهاءِ الأمصارِ: حَدُّه نِصفُ حدِّ الحرِّ، وذلكَ أربَعونَ جَلدةً، ورُويَ ذلكَ عن الخُلفاءِ الأربَعةِ وعنِ ابنِ عبَّاسٍ، وقالَتْ طائفةٌ: حَدُّه حدُّ الحرِّ، وبه قالَ ابنُ مَسعودٍ مِنْ الصحابةِ وعُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وجَماعةٌ مِنْ فُقهاءِ الأمصارِ وأبو ثَورٍ والأوزاعيُّ وداودُ وأصحابُه مِنْ أهلِ الظاهرِ.

فعُمدةُ الجُمهورِ قياسُ حدِّه في القذفِ على حدِّه في الزنا.

أمَّا أهلُ الظاهرِ فتَمسَّكوا في ذلكَ بالعُمومِ، ولمَّا أجمَعُوا أيضًا أنَّ حدَّ الكِتابيِّ ثمانونَ فكانَ العبدُ أَحرى بذلكَ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وقَدرُ الحدِّ ثَمانونَ إذا كانَ القاذفُ حُرًّا؛ للآيةِ والإجماعِ، رجلًا كانَ أو امرأةً، ويُشترطُ أنْ يكونَ بالغًا عاقِلًا غيرَ مُكرَهٍ؛ لأنَّ هذه مُشترَطةٌ لكلِّ حَدٍّ (٢).

وقالَ شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ : أجمَعَ العُلماءُ على وُجوبِ الحَدِّ على مَنْ قذَفَ مُحصنًا، وأنَّ حَدَّه ثَمانونَ إنْ كانَ حُرًّا، وقد دَلَّ عليهِ قولُه تعالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤].

وإنْ كانَ القاذفُ عبدًا فحَدُّه أربَعونَ جَلدةً، وأجمَعُوا على وُجوبِ الحَدِّ على العبدِ إذا قذَفَ مُحصنًا؛ لدُخولِه في عُمومِ الآيةِ، وحَدُّه أربَعونَ في


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٣٠، ٣٣١).
(٢) «المغني» (٩/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>