للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحُدودِ مَقبولةٌ كالأموالِ، وهذا فاسِدٌ؛ لقَولِ اللهِ تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، ولأنَّ حُدودَ اللهِ تعالَى تُدرَأُ بالشبهاتِ، فكانَتِ الشهادةُ فيها أغلَظَ مِنْ الشَّهادةِ في غيرِها ممَّا لا يُدرأُ بالشُّبهاتِ، كما أنَّ الزِّنا لمَّا كانَ أغلَظَ مِنْ السَّرقةِ لتَعدِّيه إلى اثنَينِ واختِصاصِه بإسقاطِ نَسبِ الولدِ كانَتِ الشهادةُ فيه أغلَظَ منها فيما عَداهُ (١).

وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ : وقالَ المَهدَويُّ: شَهادةُ النساءِ في الحُدودِ غيرُ جائزةٍ في قولِ عامَّةٍ الفُقهاءِ، وكذلكَ في النكاحِ والطَّلاقِ في قولِ أكثَرِ العُلماءِ، وهو مَذهبُ مالكٍ والشافِعيِّ وغيرِهما (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : أنْ يَكونُوا رِجالًا كلُّهُم، ولا تُقبَلُ فيه شَهادةُ النساءِ بحالٍ، ولا نَعلمُ فيه خِلافًا، إلا شَيئًا يُروَى عن عطاءٍ وحمَّادٍ أنه يُقبَلُ فيه ثَلاثةُ رِجالٍ وامرأتانِ، وهو شُذوذٌ لا يُعوَّلُ عليهِ؛ لأنَّ لفْظَ الأربعةِ اسمٌ لعَددِ المَذكورِينَ، ويَقتضِي أنْ يُكتفَى فيه بأربَعةٍ، ولا خِلافَ في أنَّ الأربَعةَ إذا كانَ بَعضُهم نِساءً لا يُكتفَى بهم وإنَّ أقَلَّ ما يُجزِئُ خَمسةٌ، وهذا خِلافُ النصِّ، ولأنَّ في شَهادتَهنَّ شُبهةٌ؛ لتَطرُّقِ الضَّلالِ إليهنَّ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، والحُدودُ تُدرَأُ بالشبهاتِ (٣).


(١) «الحاوي الكبير» (١٧/ ٧).
(٢) «تفسير القرطبي» (٣/ ٣٩٥).
(٣) «المغني» (٩/ ٦٤، ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>