وأما عُمرُ «فإنَّ رَجلًا أتاه فقالَ: إنَّ امرأتِي زَنَتْ، فأنفَذَ أبا واقِدٍ اللَّيثيَّ إليها فقالَ لها: زَوجُكِ قد اعتَرفَ عليكِ بالزِّنا، وإنَّكِ لا تُؤاخَذينَ بقَولِه، لتَنزِعَ، فلمْ تَنزعْ، فأمَرَ عمرُ برَجمِها».
ومِن القياسِ: أنَّ ما ثبَتَ بالإقرارِ لم يُعتبَرْ فيه التَّكرارُ كسائرِ الحُدودِ والحُقوقِ، ولأنَّ ما لم يَلزمْ فيه تَكرارُ الإنكارِ لم يَلزمْ فيهِ تَكرارُ الإقرارِ كسائرِ الحُدودِ، ولأنَّ رَجلًا لو قذَفَ رجلًا بالزِّنا ووجَبَ عليه حدُّ قَذفِه فاعتَرفَ المَقذوفُ مرَّةً واحدةً صارَ كالمُقِرِّ به أربعًا في سُقوطِ الحدِّ عن قاذِفِه، فوجَبَ أنْ يَصيرَ كالأربعِ في وُجوبِ الحَدِّ به؛ لأنه لا يَجوزُ أنْ يَصيرَ في بَعضِ الأحكامِ زانِيًا وفي بعضِها غيرَ زانٍ، ولأنه إقرارٌ ثبَتَ به حَدُّ القذفِ، فوجَبَ أنْ يَثبتَ به حدُّ الزنا كالأربَعِ، ولأنَّ الحُقوقَ ضَربانِ: حَقُّ اللهِ سُبحانَه، وحَقٌّ للآدَميِّ، وليسَ في واحِدٍ منهُما ما يُعتبَرُ في الإقرارِ به التَّكرارُ، فكانَ حدُّ الزنا مُلحَقًا بأحَدِهما، ولم يَجُزْ أنْ يَخرجَ عنهُما (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلة إلى أنه لا بُدَّ مِنْ الإقرارِ أربَعَ مَراتٍ، فلا يُكتفَى بالإقرارِ مرَّةً واحِدةً؛ لأنَّ ماعِزًا أقَرَّ أمامَ النبيِّ ﷺ أربَعَ مَراتٍ.
(١) «التمهيد» (١٢/ ١٠٧، ١٠٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٢٠٤، ٢٠٥) رقم (١٥٥٩)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٢٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣١٠)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣٣٩)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢٠٧، ٢٠٨)، و «البيان» (١٢/ ٣٧٣)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٢٣، ٥٢٤)، و «النجم الوهاج» (٩/ ١١٢، ١٢٣)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٤٥).