للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنه لا حَدَّ على واحِدٍ منهُما؛ استِدلالًا بأنه وطْءٌ عن عَقدٍ فاسدٍ، فوجَبَ أنْ يَسقطَ فيه الحدُّ قياسًا على سائرِ المَناكِحِ الفاسدةِ.

قالَ الإمامُ السَّرخسيُّ : ولكنْ أبو حَنيفةَ احتَجَّ بحَديثَينِ ذكَرَهما عن عُمرَ :

أحَدُهما: ما رويَ «أنَّ امرأةً استَسقَتْ راعِيًا فأبَى أنْ يَسقيَها حتَّى تُمكِّنَه مِنْ نَفسِها، فدرَأَ عُمرُ الحدَّ عنهُما».

والثَّاني: «أنَّ امرأةً سألَتْ رجلًا مالًا فأبى أنْ يُعطيَها حتَّى تُمكِّنَه مِنْ نفسِها، فدرَأَ الحَدَّ وقالَ: هذا مَهرٌ»، ولا يَجوزُ أنْ يُقالَ: «إنَّما درَأَ الحدَّ عنها لأنها كانَتْ مُضطرةً تَخافُ الهلاكَ مِنْ العَطشِ»؛ لأنَّ هذا المعنَى لا يُوجِبُ سُقوطَ الحدِّ عنهُ، وهو غَيرُ موجودٍ فيما إذا كانَتْ سائِلةً مالًا كما ذكَرْنا في الحَديثِ الثاني، مع أنه علَّلَ فقالَ: «إنَّ هذا مهرٌ»، ومعنَى هذا أنَّ المهرَ والأجرَ يَتقاربانِ، قالَ تعالَى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤]، سمَّى المهرَ أجرًا، ولو قالَ: «أمهَرتُكِ كذا لأزنِيَ بكِ» لم يَجبِ الحدُّ، فكذلكَ إذا قالَ: «استَأجَرتُكِ»، تَوضيحُه أنَّ هذا الفعلَ ليس بزنًا.

وأهلُ اللُّغةِ لا يُسمُّونَ الوطءَ الذي يَترتَّبُ على العقدِ زنًا، ولا يَفصلونَ بينَ الزِّنى وغيرِه إلا بالعقدِ، فكذلكَ لا يَفصلونَ بينَ الاستئجارِ والنكاحِ؛ لأنَّ الفرقَ بينَهُما شرعيٌّ، وأهلُ اللغةِ لا يَعرفونَ ذلكَ، فعرَفْنا أنَّ هذا الفعلَ ليسَ بزنًا لغةً، وذلكَ شبهةٌ في المنعِ مِنْ وُجوبِ الحدِّ حقًّا للهِ تعالَى، كما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>