للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوى عمرُ بنُ دينارٍ عن سَعيدِ بنِ المسيِّبِ «أنَّ رَجلًا قالَ: زنَيْتُ البارحِةَ، فقيلَ له: إنَّ اللهَ قد حرَّمَه، فكُتبَ فيه إلى عُمرَ، فكتَبَ: إنْ كانَ عَلِمَ أنَّ اللهَ حرَّمَه فحُدُّوه، وإنْ لم يَكنْ يَعلمُ فأَعلِمُوه، فإنْ عادَ فحُدُّوهُ».

قالَ أبو جَعفرٍ الطَّحاويُّ : فلم يُوجِبِ الحدَّ على الجاهلِ بالتحريمِ، ولا يُعلَمُ عن أحدٍ مِنْ الصحابةِ خلافُه، وقالَ تعالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)[الإسراء: ١٥]، فأخبَرَ أنه لا يُعذِّبُ أحَدًا فيما طريقُه السَّمعْ إلا بعدَ إقامةِ الحُجَّةِ عليه بتَحريمِها، وأيضًا فإنَّ الحُدودَ عُقوباتٌ على انتهاكِ المَحارمِ، ومَن لم يَعرفِ الحُرمةَ قبلَ وُقوعِه فيها لم يَكنْ مُنتهِكًا لها، فلا حَدَّ عليه (١).

وقالَ الإمامُ الماوَرْديُّ : وأمَّا الشرطُ السادسُ وهو العِلمُ بالتحريمِ: فلِأنَّ العِلمَ به هو المانعُ مِنْ الإقدامِ عليهِ، كالذي لم تَبلُغْه دَعوةُ الإسلامِ لم يَلزمْه أحكامُه، كذلكَ مَنْ لم يَعلمْ تحريمَ الزنا لم تَجْرِ عليه أحكامُه، والذي لا يَعلمُ تَحريمَ الزنا معَ النَّصِّ الظاهِرِ فيه وإجماعِ الخاصَّةِ والعامَّةِ عليه أحَدُ ثلاثةٍ: إمَّا مَجنونٌ أفاقَ بعدَ بلوغِه فزنَا لوَقتِه، أو حَديثُ عَهدٍ بإسلامٍ لم يَعلمْ أحكامَه، أو قادِمٌ مِنْ باديَةٍ لم يَظهرْ فيها تَحريمُه.

فإنِ ادَّعَى الزاني أنه جَهِلَ تحريمَ الزنا نُظرَ؛ فإنْ كانَ مِنْ أحدِ هؤلاءِ الثلاثةِ كانَ قولُه مَقبولًا، ولا يَلزمُه إحلافُه إلَّا استِظهارًا؛ لأنه الظاهِرُ مِنْ حالِه، وإنْ لم يَكنْ منهُم لم يُقبَلْ قولُه؛ لأنَّ الظاهِرَ خِلافُه (٢).


(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٣٠١).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢٢٠، ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>