ولا يَرثُه أحَدٌ مِنْ أقاربِه؛ لانقِطاعِ الأساسِ الذي تَقومُ عليه القَرابةُ المُعتبَرَةُ في الإسلامِ، وهو وِحدةُ الدِّينِ؛ ولأنَّ مِلكيتَه تَزولُ عنِ الأموالِ التي في حَوزتِه بالرِّدةِ، غيرَ أنه لا يُقضَى بذلكَ إلا بعدَ مَوتِه مُرتدًّا كما سبَقَ، إذْ يَتبيَّنُ بذلكَ أنه منذُ اللَّحظةِ التي ارتَدَّ فيها عن الإسلامِ لم يَعُدْ مالكًا لشَيءٍ ممَّا تَمتدُّ يَدُه عليه (١).
وقالَ الحَنابلةُ: مَنْ ارتَدَّ لم يَزُلْ مِلكُه، بل يَكونُ مَوقوفًا وتَصرُّفاتُه مَوقوفةً، فإنْ أسلَمَ ثبَتَ مِلكُه وتَصرُّفاتُه، وإلا بَطلَتْ، فعلى هذا تَصرُّفاتُه في رِدتِه بالبيعِ والهِبةِ والعِتقِ والتَّدبيرِ والوَصيةِ ونحوِ ذلكَ مَوقوفةٌ؛ إنْ أسلَمَ تَبينَّا أنَّ تصرُّفَه كانَ صَحيحًا، فإنْ قُتلَ أو ماتَ كانَ باطلًا؛ لأنه سَببٌ يُبيحُ دَمَه، فلمْ يَزُلْ مِلكُه كزنَا المُحصَنِ والقتلِ لمَن يُكافئُه عَمدًا، وزوالُ العِصمةِ لا يَلزمُ منه زَوالُ المِلكِ، بدليلِ الزاني المُحصَنِ والقاتِلِ في المُحارَبةِ وأهلِ الحَربِ؛ فإنَّ مِلكَهم ثابتٌ مع عدمِ عِصمتِهم، ولو لَحِقَ المُرتدُّ بدارِ الحَربِ لم يَزُلْ مِلكُه، لكنْ يُباحُ قتلُه لكلِّ أحَدٍ مِنْ غيرِ استِتابةٍ وأخذُ مالِه لمَن قدَرَ عليه؛ لأنه صارَ حَربيًّا حُكمُه حُكمُ أهلِ الحَربِ.
وكذلكَ لو ارتَدَّ جَماعةٌ وامتَنَعوا في دارِهم عن طاعةِ إمامِ المُسلمينَ زالَتْ عِصمتُهم في أنفُسِهم وأموالِهم؛ لأنَّ الكفَّارَ الأصليِّينَ لا عِصمةَ لهم في دارِهم، فالمُرتدُّ أَولى.
(١) «البيان» (١٢/ ٥٣، ٥٤)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٠٤، ٥٠٥)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٩٤، ٩٥)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٣٣)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٦٩٢، ٦٩٤).