للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا عن الحسَنِ البَصريِّ، وهو قولُ الأوزاعيِّ وسحنُونٍ، قالَ الأوزاعيُّ: إذا كُرِهَ الأسيرُ على شُربِ الخَمرِ لا يَفعلُ وإنْ قتَلَه، وقالَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: حَدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ حدَّثَنا عبدُ الأعلى عن عَوفٍ عن الحَسنٍ أنه كانَ لا يَجعلُ في النفسِ التي حرَّمَ اللهُ التقيَّةَ، وقالَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ: إذا قيلَ للأسيرِ: «اسجُدْ لذلكَ الصَّنمِ وإلا قَتلناكَ» فقالَ: إنْ كانَ الصَّنمُ مُقابلَ القِبلةِ فلْيَسجدْ وتكونُ نيَّتُه للهِ تعالى، وإنْ كانَ لغيرِ القِبلةِ فلا يَسجدُ وإنْ قَتلوهُ.

وقالَتْ طائِفةٌ: الإكراهُ في الفِعلِ والقَولِ سواءٌ إذا أسَرَّ الإيمانَ، رُويَ ذلكَ عن عُمرَ بنِ عَبدِ العزيزِ ومَكحولٍ، وهو قَولُ مالكٍ وطائفةٍ مِنْ أهلِ العِراقِ، ورَوى ابنُ القاسمِ عن مالكٍ أنه إنْ أُكرِهَ على شُربِ الخَمرِ أو تَركِ الصلاةِ والإفطارِ في رَمضانَ فلا إثمَ عليه، إلا أنه لا يَجوزُ عندَ مالكٍ وعامَّةِ العُلماءِ أنْ يَقتلَ غيرَه ولا يَنتهكَ حُرمتَه ولا يَظلمَه ولا يَفعلَ الزنا وإنْ كُرِهَ على ذلكَ.

قالَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: وقولُ مَنْ جعَلَ التقيَّةَ في القولِ ما يُشبهُ ما نزَلَ في القُرآنِ مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ الذينَ أُكرِهوا عليهِ إنما هو كَلامٌ تكَلَّموا به ولم يَظلِموا فيه أحدًا مِنْ الناسِ، وإنما هو أمرٌ فيما بينَهم وبينَ ربِّهم، فلمَّا أُكرِهوا عليه ولم يَكونُوا له مُعتقِدينَ جُعلَ كأنه لم يَكنْ؛ لأنَّ الكلامَ ليسَ يُؤثرُ بأحدٍ أثَرًا في نفسٍ ولا مالٍ، وأفعالُ الأبدانِ ليسَتْ كذلكَ؛ لأنها تُؤثرُ في الأبدانِ والأموالِ، ولا يُجوزُ لأحَدٍ أنْ يُنجيَ نفسَه مِنْ القتلِ بأنْ يَقتلَ غيرَه ظالِمًا وإنْ أكرِهَ على ذلكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>