للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك أَسبابٌ:

منها: أنْ يَكونَ المُحدِّثُ بالحَديثِ يَعتقِدُه أحدُهما ضَعيفًا، ويَعتقِدُه الآخَرُ ثِقةً، ومَعرفةُ الرِّجالِ عِلمٌ واسِعٌ.

ثم قد يَكونُ المُصيبُ مَنْ يَعتقِدُ ضَعفَه، لاطِّلاعِه على سَببٍ جارِحٍ. وقد يَكونُ الصَّوابُ مع الآخَرِ، لمَعرفتِه أنَّ ذلك السَّببَ غيرُ جارِحٍ، إمَّا لأنَّ جِنسَه غيرُ جارِحٍ، أو لأنَّه كانَ له فيه عُذرٌ يَمنعُ الجَرحَ، وهذا بابٌ واسِعٌ.

وللعُلماءِ بالرِّجالِ وأَحوالِهم في ذلك من الإِجماعِ والاختِلافِ، مِثلُ ما لغيرِهم من سائِرِ أهلِ العِلمِ في عُلومِهم.

ومنها: ألَّا يَعتقدَ أنَّ المُحدِّثَ سمِعَ الحَديثَ ممَّن حدَّثَ عنه، وغيرُه يَعتقدُ أنَّه سمِعَه، لأَسبابٍ تُوجِبُ ذلك مَعروفةٍ.

ومنها: أنْ يَكونَ للمُحدِّثِ حالتانِ: حالةُ استِقامةٍ، وحالةُ اضطِرابٍ، مِثلَ أنْ يَختلِطَ، أو تَحتَرِقَ كُتبُه، فما حدَّثَ به في حالةِ الاستِقامةِ صَحيحٌ، وما حدَّثَ به في حالةِ الاضطِرابِ ضَعيفٌ، فلا يُدرَى ذلك الحَديثُ من أيِّ النَّوعَينِ؟ وقد علِمَ غيرُه أنَّه ممَّا حدَّثَ به في حالةِ الاستِقامةِ.

ومنها: أنْ يَكونَ المُحدِّثُ قد نَسيَ ذلك الحَديثَ (١)، فلم يَذكُرْه فيما بعدُ، أو أنكَرَ أنْ يَكونَ حدَّثَه، مُعتقدًا أنَّ هذا عِلةٌ تُوجِبُ تَركَ الحَديثِ، ويَرى غيرُه أنَّ هذا ممَّا يَصحُّ الاستِدلالُ به والمَسألةُ مَعروفةٌ.


(١) مثلَ حَديثِ: «لا نِكاحَ إلا بوَليٍّ» الذي رَواه ابنُ جُريجٍ عن سُليمانَ بنِ موسَى عن الزُّهريِّ. قالَ ابنُ جُريجٍ: سأَلتُ الزُّهريَّ فلم يَعرفْه. انظُرْ: «التاريخ الكبير» للبخاري (١٨٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>