«بُعثْتُ لأتَمِّمَ مَكارمَ الأخلاقِ»، فهذا فِعلٌ مُستحسَنٌ في العَقلِ مَقبولٌ في الأخلاقِ والعاداتِ.
وكذلكَ قَولُ النبيِّ ﷺ:«لا يُؤخَذُ الرَّجلُ بجَريرةِ أبيهِ ولا بجَريرةِ أخيه»، «ولا يَجني عَليكَ ولا تَجني عليهِ» لا يَنفي وُجوبَ الدِّيةِ على العاقِلةِ على هذا النَّحوِ الذي ذكَرْناهُ مِنْ معنَى الآيةِ مِنْ غيرِ أنْ يُلامَ على فِعلِ الغيرِ أو يُطالَبَ بذَنبِ سِواهُ.
ولوُجوبِ الدِّيةِ على العاقِلةِ وُجوهٌ سائِغةٌ مُستحسَنةٌ في العُقولِ:
أحَدُها: أنه جائزٌ أنْ يُتعبَّدَ اللهُ تعالَى بَدِيًّا بإيجابِ المالِ عليهِم لهذا الرَّجلِ مِنْ غيرِ قَتلٍ كانَ منه، كما أوجَبَ الصَّدقاتِ في مالِ الأغنياءِ للفُقراءِ.
والثَّاني: أنَّ مَوضوعَ الدِّيةِ على العاقِلةِ إنما هو على النُّصرةِ والمَعونةِ، ولذلكَ أوجَبَها أصحابُنا على أهلِ دِيوانِه دونَ أقربائِه؛ لأنهُم أهلُ نُصرتِه، ألَا تَرى أنهُم يَتناصَرونَ على القتالِ والحِمايةِ والذبِّ عن الحَريمِ، فلمَّا كانُوا مُتناصِرينَ في القِتالِ والحِمايةِ أُمِروا بالتناصُرِ والتعاوُنِ على تحمُّلِ الدِّيةِ؛ ليَتساوَوا في حَملِها كما تَساوَوا في حِمايةِ بعضِهم بعضًا عندَ القتالِ.
والثالِثُ: أنَّ في إيجابِ الدِّيةِ على العاقِلةِ زوالَ الضَّغينةِ والعَداوةِ مِنْ بعضِهم لبعضٍ إذا كانَت قبلَ ذلكَ، وهو داعٍ إلى الأُلفةِ وصَلاحِ ذاتِ البَينِ، ألَا تَرى أنَّ رَجلَينِ لو كانَتْ بَينُهما عَداوةٌ فتَحمَّلَ أحَدُهما عن صاحبِه ما قد لَحِقَه لَأدَّى ذلكَ إلى زوالِ العَداوةِ وإلى الأُلفةِ وصَلاحِ ذاتِ البَينِ، كما لو