للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَحلُّ الخِلافِ في عَمدِ الصبيِّ والمَجنونِ هل هو عَمدٌ أو خَطأٌ إذا كانَ لهُما نوعُ تَمييزٍ، وإلا فخَطأٌ قَطعًا.

قالَ في «الرَّوضَة»: لو أمَرَ رَجلٌ صَبيًّا أو مَجنونًا حُرًّا بقَتلِ شَخصٍ فقتَلَه، قالَ البَغويُّ: إنْ كانَ لهُما تَمييزٌ فلا شَيءَ على الآمِرِ سِوى الإثمِ، وتَجبُ الديَةُ في مالِ المَأمورِ مُغلَّظةً إنْ قُلنا: «عَمدُه عَمدٌ»، وإنْ قُلنَا: «خَطأٌ» فعَلى عاقِلتِه مُخفَّفةً، وإنْ لم يَكنْ لهُما تَمييزٌ وكانَا يُسرِعانِ إلى ما أُغريَا به أو كانَ المَجنونُ ضاريًا فالقِصاصُ أو كَمالُ الديَةِ على الآمِرِ، وَليًّا كانَ أو أجنَبيًّا، ولو أمَرَ أحَدَهما بقَتلِ نفسِه ففعَلَ فعَلى الآمِرِ القِصاصُ.

قالَ الإمامُ: هذا إذا قُلنَا: «يَجبُ القِصاصُ على المُكرِهِ والمُكرَهِ» وجَعلناهُما كالشَّريكينِ، فأمَّا إنْ قُلنا: «لا قِصاصَ على المُكرَهِ» ففي وُجوبِ القصاصِ على المُكرِهِ مع قَولِنا: «عَمدُ الصبيِّ خَطأٌ» وَجهانِ.

وأما الدِّيةُ فجَميعُها على المكرِهِ إنْ لم نُوجِبْ على المُكرَهِ شَيئًا، وإنْ أوجَبْنَا عليهِ نِصفَها فنِصفُها على المُكرِهِ ونِصفُها في مالِ الصبيِّ إنْ قُلنَا: «عَمدُه عَمدٌ»، وإنْ قُلنا: «خَطأٌ» فعَلى عاقِلتِه.

ولو أكرَهَ مُراهِقٌ بالِغًا فلا قِصاصَ على المُراهقِ، وفي البالغِ القَولانِ إنْ قُلنَا: «عَمدُ الصبيِّ عَمدٌ»، وإنْ قُلنا: «خَطأٌ» فلا قِصاصَ قَطعًا؛ لأنه شَريك مُخطئ (١).


(١) «روضة الطالبين» (٦/ ١٤٥، ١٤٥)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٤٢)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٢٣)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٣١٢، ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>