للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأجمَعوا على انعِقادِ الخِلافةِ بالاستِخلافِ، وعلى انعِقادِها بعَقدِ أهلِ الحلِّ والعَقدِ لإنسانٍ إذا لم يَستخلفِ الخَليفةُ، وأجمَعوا على جَوازِ جَعلِ الخَليفةِ الأمرَ شُورى بينَ جَماعةٍ كما فعَلَ عُمرُ بالسِّتةِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ خَلدونَ : وقد عُرفَ ذلكَ مِنْ الشرعِ بإجماعِ الأمَّةِ على جَوازِه وانعِقادِه، إذ وقَعَ بعَهدِ أبي بكرٍ لعُمرَ بمَحضرٍ مِنْ الصحابةِ وأجازُوهُ وأوجَبُوا على أنفُسِهم به طاعةَ عُمرَ وعَنهُم، وكذلكَ عَهِدَ عُمرُ في الشُّورى إلى السِّتةِ بقيَّةِ العَشرةِ وجعَلَ لهم أنْ يَختارُوا للمُسلمينَ، ففوَّضَ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى أفضَى ذلكَ إلى عبدِ الرحمنِ ابنِ عَوفٍ، فاجتَهدَ وناظَرَ المُسلمينَ فوجَدَهم مُتفِقينَ على عُثمانَ وعلى عليٍّ، فآثَرَ عُثمانَ بالبَيعةِ على ذلكَ لمُوافقتِه إيَّاهُ على لُزومِ الاقتِداءِ بالشَّيخينِ في كلِّ ما يَعنُّ دونَ اجتِهادِه، فانعَقدَ أمرُ عُثمانَ لذلكَ وأوجَبُوا طاعتَه والملأُ مِنْ الصحابةِ حاضِرونَ للأُولى والثانيةِ، ولم يُنكِره أحدٌ منهم، فدَلَّ على أنهم مُتفِقونَ على صحَّةِ هذا العَهدِ عارِفونَ بمَشروعيَّتِه، والإجماعُ حُجَّةٌ كما عُرفَ، ولا يُتهَمُ الإمامُ في هذا الأمرِ وإنْ عَهِدَ إلى أبيهِ أو ابنِه؛ لأنه مَأمونٌ على النظرِ لهم في حَياتِه، فأَولى أنْ لا يَحتملَ فيها تَبعةً بعدَ مَماتِه، خِلافًا لمَن قالَ باتِّهامِه في الولدِ والوالدِ، أو لمَن خصَّصَ التُّهمةَ بالولدِ دونَ الوالدِ، فإنه


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>