وإنْ كانَ وَليُّ العَهدِ ولدًا أو والدًا فقدِ اختُلفَ في جَوازِ انفِرادِه بعقدِ البيعةِ له على ثَلاثةِ مَذاهبَ:
أحَدُها: لا يَجوزُ أنْ يَنفردَ بعَقدِ البَيعةِ لولدٍ ولا لوالِدٍ حتى يُشاوِرَ فيه أهلَ الاختيارِ فيَرَونَه أهلًا لها، فيَصحُّ منه حِينئذٍ عَقدُ البيعةِ له؛ لأنَّ ذلكَ منه تَزكيةٌ له تجرِي مجرَى الشهادةِ، وتقَليدُه على الأمَّةِ يَجري مَجرى الحُكمِ، وهو لا يَجوزُ أنْ يَشهدَ لوالدٍ ولا لوَلدٍ ولا يَحكمَ لواحدٍ منهُما؛ للتُّهمةِ العائِدةِ إليه بما جُبلَ مِنْ المَيلِ إليه.
والمَذهبُ الثاني: يَجوزُ أنْ يَنفردَ بعَقدِها لولدٍ ووالدٍ؛ لأنه أميرُ الأمَّةِ نافذُ الأمرِ لهم وعليهِم، فغُلِّبَ حُكمُ المَنصبِ على حُكمِ النسبِ، ولم يجعَلْ للتُّهمةِ طَريقًا على أمانتِه ولا سَبيلًا إلى مُعارَضتِه وصارَ فيها كعَهدِه بها إلى غيرِ ولدِه ووالدِه، وهل يكونُ رضَا أهلِ الاختيارِ بعدَ صحَّةِ العهدِ مُعتبَرًا في لُزومِه للأمَّةِ أو لا؟ على ما قدَّمْناهُ مِنْ الوَجهينِ.
والمَذهبُ الثالثُ: إنه يَجوزُ أنْ يَنفردَ بعَقدِ البيعةِ لوالدِه، ولا يَجوزُ أنْ يَنفردَ بها لوَلدِه؛ لأنَّ الطَّبعَ يَبعثُ على مُمايَلةِ الولدِ أكثَرَ مما يَبعثُ على مُمايلةِ الوالدِ، ولذلكَ كانَ كلِّ ما يَقتنيهِ في الأغلبِ مَذخورًا لوَلدِه دونَ والدِه.
فأما عَقدُها لأخيهِ ومَن قارَبَه مِنْ عَصَبتِه ومُناسبيهِ فكعَقدِها للبُعداءِ الأجانبِ في جَوازِ تَفرُّدِه بها (١).