للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : ولهذا كانَ جمهورُ العُلماءِ كأبي حَنيفةَ ومالكٍ وأحمَدَ في أصَحِّ الرِّوايتينِ والشافِعيِّ في أحَدِ القَولينِ على أنَّ أهلَ البَغيِ المُتأوِّلينَ لا يَضمنونَ ما أتلَفوهُ على أهلِ العَدلِ بالتأويلِ، كما لا يَضمنُ أهلُ العَدلِ ما أتلَفوهُ على أهلِ البغيِ بالتأويلِ باتِّفاقِ العُلماءِ.

وكذلكَ أصَحُّ قَولَي العُلماءِ في المُرتدِّينَ، فإنَّ المُرتدَّ والباغيَ المُتأوِّلَ والمُبتدِعَ كلُّ هؤلاء يَعتقدُ أحَدُهم أنه على حقٍّ فيَفعلُ ما يَفعلُه متأوِّلًا، فإذا تابَ مِنْ ذلكَ كانَ كتَوبةِ الكافرِ مِنْ كُفرِه، فيُغفرُ له ما سلَفَ ممَّا فعَلَه مُتأوِّلًا، وهذا بخِلافِ مَنْ يَعتقدُ أنَّ ما يَفعلُه بَغيٌ وعُدوانٌ، كالمُسلمِ إذا ظلَمَ المُسلمَ، والذِّميِّ إذا ظلَمَ المُسلمَ، والمُرتدِّ الذي أتلَفَ مالَ غيرِه وليسَ بمُحاربٍ، بل هو في الظاهرِ مُسلمٌ أو مُعاهدٌ، فإنَّ هَؤلاءِ يَضمنونَ ما أتلَفوهُ بالاتفاقِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في القَديمِ إلى أنه يَجبُ عليهم ضَمانُ ما أتلَفوهُ مِنْ نَفسٍ أو مالٍ؛ لقَولِه تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء: ٣٣]، والباغي ظالِمٌ، فوجَبَ أنْ يكونَ عليهِ السلطانُ، وهو القِصاصُ، فيَضمنونَ، ولقَولِ أبي بكرٍ : «تَدُونَ قَتلانَا ولا نَدِي -مِنْ الدِّيةِ- قَتلاكُم»، ولأنها نُفوسٌ وأموالٌ مَعصومةٌ أُتلفَتْ بغيرِ حَقٍّ ولا ضَرورةِ دَفعِ


(١) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ١٧١، ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>