للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: عليُّ بنُ أبي طالبٍ في قِتالِ خَلعِ طاعتِه.

فأما أبو بَكرٍ فإنه قاتَلَ طائِفتينِ: طائِفةٌ ارتَدَّتْ عن الإسلامِ مع مُسيلمةَ وطُليحةَ والعَنسيِّ، فلَم يَختلفْ عليهِ مِنْ الصَّحابةِ في قِتالِهم أحَدٌ.

وطائفةٌ أقاموا على الإسلامِ ومَنَعوا الزَّكاةَ بتَأويلٍ اشتَبهَ، فخالَفَه أكثَرُ الصَّحابةِ في الابتداءِ، ثم رَجَعوا إلى رَأيِه ووافَقوهُ عليهِ في الانتهاءِ حينَ وضَحَ لهم الصَّوابُ وزالَتْ عنهم الشُّبهةُ، فكانَ انعقادُ الإجماعِ معه بعدَ تَقدُّمِ المُخالَفةِ له أَوْكَدَ.

وأما عليُّ بنُ أبي طالِبٍ فإنه شَهدَ بنَفسِه قِتالَ مَنْ بَغَى عليهِ، فأوَّلُ مَنْ قاتلَ منهُم أهلَ الجَملِ بالبَصرةِ مع عائِشةَ، وثَنَّى بقتالِ أهلِ الشامِ بصِفِّينَ مع مُعاويةَ، وثلَّثَ بقتالِ أهلِ النَّهروانِ مِنْ الخَوارجِ، فسارَ في قتالِهم سِيرةَ أبي بكرٍ في قِتالِ مانِعي الزكاةِ (١).

وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ مَنْ شَقَّ العَصا وفارَقَ الجَماعةَ وشَهَرَ على المُسلمينَ السِّلاحَ وأخافَ السَّبيلَ وأفسَدَ بالقتلِ والسَّلبِ فقَتلُهم وإراقةُ دِمائِهم واجبٌ؛ لأنَّ هذا مِنْ الفَسادِ العَظيمِ في الأرضِ، والفَسادُ في الأرضِ مُوجِبٌ لإراقةِ الدماءِ بإجماعٍ، إلا أنْ يَتوبَ فاعلُ ذلكَ مِنْ قبلِ أنْ يُقدَرَ عليهِ، والانهزامُ عندَهم ضَربٌ مِنْ التوبةِ، وكذلكَ مَنْ عجَزَ عن القِتالِ لم يُقتلْ إلا بما وجَبَ عليهِ قبلَ ذلكَ (٢).


(١) «الحاوي الكبير» (٩/ ٣، ٦).
(٢) «التمهيد» (٢٣/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>