للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجَوابُ من وُجوهٍ:

أحَدُها: أنَّ كلَّ من أُمِرنا بقِتالِه من الكُفارِ؛ فإنَّه يُقتَل إذا قدِرَنا عليه.

الثانِي: أنَّا إذا كنا مَأمورينَ بأنْ نُقاتِلَهم إلى هذه الغايةِ لمْ يَجزْ أنْ نَعقِدَ لهم عَهدَ الذِّمةِ بدونِها، ولو عُقدَ لهم كانَ عَقدًا فاسِدًا.

الثالِثُ: أنَّ الأصلَ إِباحةُ دِمائِهم، يُمسِكُ عِصمَتها الحَبلانِ: حَبلٌ من اللهِ بالأمرِ بالكَفِّ عنهم، وحَبلٌ من الناسِ بالعَهدِ والعَقدِ، ولمْ يُوجَدَ واحِدٌ من الحَبلَينِ.

أمَّا حَبلُ اللهِ سُبحانَه: فإنَّه إنَّما اقتَضى الأمرَ بالكَفِّ عنهم إذا كانُوا صاغِرينَ، فمَتى لم يُوجَدَ وَصفُ الصَّغارِ المُقتَضي للكَفِّ منهم وعنهم، فالقَتلُ المَقدورُ عليه منهم والقِتالُ للطائِفةِ المُمتنِعةِ واجِبٌ.

وأمَّا حَبلُ الناسِ، فلم يُعاهِدْهم الإمامُ والمُسلِمونَ إلا على الكَفِّ عما فيه إدخالُ ضَررٍ على المُسلِمينَ وغَضاضةٌ في الإسلامِ، فإذا لمْ يُوجَدْ فلا عَهدَ لهم من الإمامِ ولا مِنْ اللهِ ، وهذا ظاهِرٌ لا خَفاءَ به (١).

أمَّا الحَنفيةُ: فقد صرَّحوا بأنَّ الذِّميَّ لو سَبَّ النَّبيَّ لا يُنقَضُ عَهدُه إذا لمْ يُعلِنِ السَّبَّ؛ لأنَّ هذا زيادةُ كُفرٍ، ولأنَّ العَقدَ يَبقى مع أصلِ الكُفرِ، فكذا مع الزِّيادةِ، وإذا أعلَنَ قُتِلَ، ولو امرأةً، ولو قتَلَ مُسلمًا أو زَنى بمُسلِمةٍ لا يُنقَضُ عَهدُه؛ بل تُطبَّقُ عليه عُقوبةُ القَتلِ والزِّنا؛ لأنَّ هذه


(١) «أحكام أهل الذمة» (٢/ ٢١٥، ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>