ومِن مَذهبِه اعتبارُ الوَسائلِ والذَّرائعِ تَحصيلًا للمأمورِ به شَرعًا من إذلالِهم وإهانتِهم والتَّضييقِ عليهم، وإذا أمَرَ الشارِعُ ﵊ بالتَّضييقِ عليهم في الطَّريقِ المُشترَكةِ … فما نحن فيه أوْلى -هذا ممَّا لا إِشكالَ فيه- ولأنَّ هذه وِلاياتٌ بلا شكٍّ، ولهذا لا يَصحُّ تَفويضُها مع الفِسقِ والخِيانةِ، والكافِرُ ليسَ من أهلِها، بدَليلِ سائرِ الوِلاياتِ، وهذا في غايةِ الوُضوحِ؛ ولأنَّها إذا لم يَصحَّ تَفويضُها إلى فاسِقٍ فإلى كافرٍ أولى بلا نِزاعٍ.
ولهذا قد نَقولُ: يَصحُّ تَفويضُها إلى فاسِقٍ، إمَّا مُطلَقًا أو مع ضَمِّ أمينٍ إليه يُشارِفُه كما نَقولُ في الوَصيةِ، ولأنَّه إذا لم تَصحَّ وَصيةُ المُسلِمِ إلى كافرٍ في النَّظرِ في أمرِ أطفالِه أو تَفريقِ ثُلثِه مع أنَّ الوَصيَّ المُسلِمَ المُكلَّفَ العَدلَ يَحتاطُ لنَفسِه ومالِه، وهي مَصلحةٌ خاصةٌ يَقِلُّ حُصولُ الضَّررِ فيها، فمَسألتُنا أوْلى، هذا ممَّا لا يُحتاجُ فيه إلى تأمُّلٍ ونَظرٍ -واللهُ ﷾ أعلَمُ- وقالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١].
وهذا من أعظَمِ السَّبيلِ، استَدلَّ الشَّيخُ وَجيهُ الدِّينِ وغيرُه من الأصحابِ بهذه الآيةِ على أنَّه لا يَجوزُ أنْ يَكونَ عامِلًا في الزَّكاةِ، وقد قالَ أصحابُنا في كاتِبِ الحاكِمِ: لا يَجوزُ أنْ يَكونَ كافرًا، واستدَلُّوا بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]. وبقِصةِ عُمرَ على أبي موسى.
وقالَ الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ في أوَّلِ الصِّراطِ المُستقيمِ في أثناءِ كَلامٍ له: ولهذا كانَ السَّلفُ يَستدلُّونَ بهذه الآيةِ على تَركِ الاستِعانةِ بهم في الوِلاياتِ.