للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكُفارِ من إقامةِ شِعارِ الكُفرِ فيها كبِيَعِهم وإجارَتِهم إِيّاها لذلك، ولأنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بالجِهادِ حتى يَكونَ الدِّينُ كلُّه له، وتَمكينُهم من إِظهارِ شِعارِ الكُفرِ في تلك المَواطِنِ جعَلَ الدِّينَ له ولغيرِه، وهذا القَولُ هو الصَّحيحُ.

والقَول الثانِي: يَجوزُ بِناؤُها لقَولِ ابنِ عَباسٍ : «أيُّما مِصرٍ مَصَّرتْه العَربُ فليسَ للعَجمِ أنْ يَبنوا فيه بِيعةً ولا يَضرِبوا فيه ناقوسًا ولا يَشربوا فيه خَمرًا ولا يَتَّخِذوا فيه خِنزيرًا، وأيُّما مِصْرٍ مصَّرَته العَجمُ ففتَحَه اللهُ ﷿ على العَربِ فنزَلُوا فيه؛ فإنَّ للعَجمِ ما في عَهدِهم، وعلى العَربِ أنْ يُوفوا بعَهدِهم ولا يُكلِّفوهم فوقَ طاقَتِهم» (١).

ولأنَّ رَسولَ اللهِ فتَحَ خَيبَرَ عَنوةً وأَقرَّهم على مَعابِدِهم فيها ولمْ يَهدِمْها، ولأنَّ الصَّحابةَ فتَحُوا كَثيرًا من البِلادِ عَنوةً فلمْ يَهدِموا شَيئًا من الكَنائسِ التي بها.

ويَشهدُ لصِحةِ هذا وُجودُ الكَنائسِ والبِيَعِ في البِلادِ التي فُتحَت عَنوةً، ومَعلومٌ قَطعًا أنَّها ما أُحدِثت، بل كانَت مَوجودةً قبلَ الفَتحِ.

وقد كتَبَ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى عُمَّالِه: «ألَّا تَهدِموا كَنيسةً ولا بِيعةً ولا بَيتَ نارٍ».

ولا يُناقِضُ هذا ما حَكاه الإمامُ أحمدُ، أنَّه أمَرَ بهَدمِ الكَنائسِ؛ فإنَّها التي أُحدِثت في بِلادِ الإسلامِ، ولأنَّ الإجماعَ قد حصَلَ على ذلك؛ فإنَّها مَوجودةٌ في بِلادِ المُسلِمينَ من غيرِ نَكيرٍ.


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: تَقدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>