وأمَّا الحَنابِلةُ فقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: الجِزيةُ عُقوبةٌ تَجِبُ بسَببِ الكُفرِ فيُسقِطُها الإسلامُ كالقَتلِ (١).
وقالَ ابنُ القَيمِ ﵀: سَببُ وَضعِ الجِزيةِ:
والمَسألةُ مَبنيةٌ على حَرفٍ، وهو أنَّ الجِزيةَ هل وُضِعت عاصِمةً للدَّمِ أو مَظهَرَا لصَغارِ الكُفرِ وإِذلالِ أهلِه، فهي عُقوبةٌ؟
فمَن راعى فيها المَعنى الأولَ قالَ: لا يَلزمُ من عَصمِها لدَمِ مَنْ خَفَّ كُفرُه بالنِّسبةِ إلى غيرِه وهُم أهلُ الكِتابِ أنْ تَكونَ عاصِمةً لدَمِ مَنْ يَغلُظُ كُفرُه.
ومَن راعَى فيها المَعنى الثانِي قالَ: المَقصودُ إظهارُ صَغارِ الكُفرِ وأهلِه وقَهرِهم، وهذا أمرٌ لا يَختصُّ بأهلِ الكِتابِ بل يَعُمُّ كلَّ كافرٍ.
قالُوا: وقد أَشارَ النَّصُّ إلى هذا المَعنى بعَينِه في قَولِه: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] فالجِزيةُ صَغارٌ وإذلالٌ؛ ولِهذا كانَت بمَنزِلةِ ضَربِ الرِّقِّ.
ثم قالَ: وسِرُّ المَسألةِ أنَّ الجِزيةَ من بابِ العُقوباتِ لا أنَّها كَرامةٌ لأهلِ الكِتابِ فلا يَستحِقُّها سِواهم.
وأمَّا مَنْ قالَ: إنَّ الجِزيةَ عِوَضٌ عن سُكنى الدارِ -كما يَقولُه أصحابُ الشافِعيِّ- فهذا القَولُ ضَعيفٌ من وُجوهٍ كَثيرةٍ سيأتي التَّعرُّضُ إليها فيما بَعدُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.
(١) «المغني» (١٢/ ٦٧٦)، و «الكافي» (٤/ ٣٥٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute