على أزواجِهِنَّ من الكُفارِ، ولا يَقدِرْنَ على الامتِناعِ منهم، وأيضًا لرِقَّتِهِنَّ وضَعفِهِنَّ ولِحُرمةِ الإسلامِ، ويَدلُّ عليه قَولُه ﷾: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠].
فإنْ عُقِد بطَلَ الشَّرطُ باتِّفاقٍ؛ لأنَّه أحَلَّ حَرامًا، والشَّريعةُ استقَرَّت على مَنعِ الرَّدِّ سَواءٌ كانَ لها عَشيرةٌ أو لا.
واختَلفُوا: هل يَبطُلُ العَقدُ؟ على قَولَينِ: والأصَحُّ عندَ الشافِعيةِ وهو أحَدُ الوَجهَينِ عندَ الحَنابِلةِ: أنَّه يَبطُلُ العَقدُ لفَسادِ الشَّرطِ.
وقالَ الحَنفيةُ -وهو مُقابِلُ الأصَحِّ عندَ الشافِعيةِ والوَجهُ الثانِي للحَنابِلةِ-: لا يَبطُلُ العَقدُ؛ لأنَّها ليسَتْ بآكَدَ من النِّكاحِ، وهو لا يَفسُدُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ. وأمَّا الكافِرةُ فيَجوزُ رَدُّها إليهم.
قالَ الحَنفيةُ: فإنْ أعطاهم الإمامُ على هذا عَهدًا؛ فإنَّه لا يَنبَغي له أنْ يَفيَ بهذا الشَّرطِ؛ لأنَّه مُخالِفٌ لحُكمِ الشَّرعِ، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«كلُّ شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ تَعالى فهو باطِلٌ»، والأصلُ فيه ما رُوي أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ صالَحَ أهلَ مَكةَ يَومَ الحُدَيبيةِ على أنْ يَرُدَّ عليهم مَنْ جاءَ منهم مُسلمًا، ثم نسَخَ اللهُ تَعالى هذا الشَّرطَ بقَولِه ﷾: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، فصارَ هذا أصلًا أنَّ الصُّلحَ متى وقَعَ على شُروطٍ منها الجائِزُ الذي يُمكِنُ الوَفاءُ به، ومنها الفاسِدُ الذي لا يُمكِنُ الوَفاءُ به؛ فإنَّ الإمامَ يَنْظُرُ إلى الجائِزِ فيُجيزُه وإلى الفاسِدِ فيُبطِلُه (١).
(١) «شرح كتاب السير الكبير» (٤/ ١٥٩٥، ١٧٨٥)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٦٠)، و «الشرح الكبير» (٢/ ٥٢٨)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٥١)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥١٨)، و «الذخيرة» (٣/ ٤٤٩)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٤/ ٢٢٩)، و «المهذب» (٢/ ٢٦٠)، و «الحاوي الكبير» (١٤/ ٣٥٧)، و «البيان» (١٢/ ٣١٠)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥٢)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٩٨)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٤٥، ٤٤٦)، و «كنز الراغبين» (٤/ ٥٨٥)، و «المغني» (٩/ ٢٤٢، ٢٧٢)، و «الكافي» (٤/ ٣٤١)، و «المبدع» (٣/ ٤٠٠)، و «الإنصاف» (٤/ ٢١٤)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٢٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٨٦)، و «مطالب أولي النهى» (٢/ ٥٨٧).