للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّعودَ» يَعني سَعدَ بنَ مُعاذٍ، وسَعدَ بنَ عُبادةَ، وأسعَدَ بنَ زُرارةَ فاستأمَرَهم، فقالُوا: إنْ كانَ هذا بأمرٍ من السَّماءِ، نُسلِّمُ لأمرِ اللهِ، وإنْ كانَ برأيِكَ، فرأيُنا تَبعٌ لرأيِكَ، وإنْ لم يَكنْ بأمرٍ من السَّماءِ، ولا برأيِك فواللهِ ما كُنَّا نُعطيهم في الجاهِليةِ ثَمَرةً إلا بشِرًى أو قِرًى، فكيف وقد أعزَّنا اللهُ بكَ؟! فقالَ له: «هو ذا تَسمَعُ ما يَقولونَ»، ولم يُعطِه شَيئًا، فهو -وإنْ لم يُعطِهم- قد نبَّه بالرُّجوعِ إلى الأنصارِ على جَوازِ عَطائِهم عندَ الضَّرورةِ، ولأنَّ ما يَنالُ المُسلِمينَ من نِكايةِ الاصطِلامِ أعظَمُ ضَرَرًا من ذِلةِ البَذلِ، فافتَدَى به أعظَمَ الضَّرَرَين.

والحالُ الأُخرى: افتِداءُ مَنْ في أيديهم من الأسرى إذا خِيفَ على نُفوسِهم، وكانُوا يَستذِلُّونهم بعَذابٍ أو امتِهانٍ، فيَجوزُ أنْ يَبذُلَ لهم الإمامُ في افتِكاكِهم مالًا ليسَتنقِذَهم به من الذُّلِّ والخَطرِ، ويَكونُ افتداؤُهم بأسرى أوْلى، ورَوى أبو المُهلَّبِ عن عِمرانَ بنِ الحُصَينِ: «أنَّ النَّبيَّ فادَى رَجلًا برَجُلَينِ».

وما بذَله المُسلِمونَ من مالٍ في اصطِلامٍ أو فِداءٍ هو كالمَغصوبِ لأخذِه منهم إجبارًا بغيرِ حقٍّ؛ فإنْ ظفِرَ به المُسلِمونَ عَنوةً لم يَغنَموه وأُعيدَ إلى مُستحِقِّه الذي خرَجَ منه من مالِ المُسلِمِ، أو مِنْ بَيتِ المالِ، وإنْ وجَدوه مع مُستأمَنٍ نُظِر فيه؛ فإنْ كانَ سَببُ بَذلِه باقيًا لم يُسترجَعَ منه، لما في استِرجاعِه من عَودِ الضَّررِ، وإنْ زالَ سَببُ بَذلِه استُرجعَ منه وأُعيد إلى مُستحِقِّه، ولم يُعترَضْ عليه في غيرِه من أموالِه لأمانِه (١).


(١) «المهذب» (٢/ ٢٦٠)، و «الحاوي الكبير» (١٤/ ٣٥٤، ٣٥٥)، و «البيان» (١٢/ ٣٠٦)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥٢)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٩٦)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٤١)، و «كنز الراغبين» (٤/ ٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>