كانَت الثانِيةُ شامِلةً للأَرضِ والمَنقولِ، خَصَّصتها آيةُ الحَشرِ بما عَدا الأرضَ. أمَّا الأرضُ فقد أَعطَت آيةُ الحَشرِ الحَقَّ للإمامِ في أنْ يَتصرَّفَ بما يَجدُه من المَصلَحةِ: إمَّا أنْ يَقفَ الأرضَ، أو يُقِرَّها في أيدي أهلِها ويَضَعَ عليها الخَراجَ؛ لأنَّ آيةَ الأنفالِ تُوجِبُ التَّخميسَ وآيةَ الحَشرِ تُوجِبُ القِسمةَ بينَ المُسلِمينَ جَميعًا دونَ التَّخميسِ، وبذلك يُجمَعُ بينَ الآيتَينِ، والجَمعُ بينَ الأدِلةِ عندَ كَثيرٍ من الأُصوليِّينَ مُقدَّمٌ على القَولِ بالنَّسخِ، أي: بنَسخِ آيةِ الحَشرِ لآيةِ الأنفالِ، كما قالَ بَعضُهم.
ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ قد ترَكَ قُرًى لم يُقسِّمْها، وقد ظهَرَ على مَكةَ عَنوةً، وفيها أموالٌ، فلم يُقسِّمْها، وظهَرَ على قُريظةَ والنَّضيرِ، وعلى غيرِ دارٍ من دُورِ العَربِ، فلم يُقسِّمْ شَيئًا من الأرضِ غيرَ خَيبَرَ. فكانَ الإمامُ بالخيارِ: إنْ شاءَ قسَّمَ كما قسَّمَ ﷺ خَيبَرَ، وإنْ شاءَ تَرَك كما ترَك رَسولُ اللهِ غيرَ خَيبَرَ.
وقد قيلَ عن عُمرَ: إنَّه لم يَفعَلْ في أرضِ السَّوادِ ما فعَلَ حتى استَطابَ على ذلك نُفوسَ أهلِ الجَيشِ، قالَه الشافِعيُّ، قالَ: وكذلك الآنَ إذا غَنِموا أرضًا فخُمِّست، ثم استَطابَ الإمامُ نُفوسَ أهلِ الجَيشِ عن الأَخماسِ الأربَعةِ، فترَكوا ذلك بطِيبِ نُفوسِهم، فالإمامُ يُوقِفُها لمَصالحِ المُسلِمينَ كما فعَلَ عُمرُ.