للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جَريحِهم، وقالَ القاضي حُسَينٌ: لا يُتبَعُ مُدبِرُهم ولا يُذفَّفُ على جَريحِهم، والصَّحيحُ الأولُ.

وهل يَنعقِدُ الأمانُ في حَقِّ البُغاةِ؟ وَجهانِ أصَحُّهما: نَعمْ؛ فإنْ قُلنا: لا، قالَ البَغَويُّ: لأهلِ البَغيِ أنْ يَكُرُّوا عليهم بالقَتلِ والاستِرقاقِ، والذي ذكَرَه الإمامُ على هذا أنَّه أمانٌ فاسِدٌ وليسَ لأهلِ البَغيِ اغتيالُهم بل يُبلِّغونَهم المأمَنَ، فلو قالُوا: ظَننَّا أنَّه يَجوزُ لنا أنْ نُعينَ بعضَ المُسلِمينَ على بَعضٍ، أو ظَننَّا أنَّهم المُحقُّونَ أو ظَننَّا أنَّهم استَعانوا بنا في قِتالِ الكُفارِ؛ فوَجهانِ:

أحدُهما: لا اعتِبارَ بظَنِّهم الفاسِدِ ولنا قَتلُهم واستِرقاقُهم.

وأصَحُّهما: أنَّا نُبلِّغُهم المأمَنَ ونُقاتِلُهم مُقاتَلَةَ البُغاةِ فلا يُتعرَّضُ لهم مُدبِرينَ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: وإنِ استَعانوا بأهلِ الحَربِ وأمَّنوهم لمْ يَصحَّ أمانُهم وأُبيحَ قَتلُهم، وحُكمُ أسيرِهم حُكمُ أسيرِ سائرِ أهلِ الحَربِ؛ لأنَّ الأمانَ من شَرطِ صِحَّتِه التِزامُ كَفِّهم عن المُسلِمينَ، وهؤلاء يَشترِطونَ عليهم قِتالَ المُسلِمينَ فلا يَصحُّ، ولِأهلِ العَدلِ قَتلُهم كمَن لم يُؤمِّنوه سَواءٌ، وحُكمُ أسيرِهم حُكمُ أسيرِ سائرِ أهلِ الحَربِ قبلَ الاستِعانةِ بهم.

فأمَّا البُغاةُ فلا يَجوزُ لهم قَتلُهم؛ لأنَّهم أمَّنوهم، فلا يَجوزُ لهم الغَدرُ بهم. والمُستأمَنون متى استَعانوا بهم فأعانوهم نقَضُوا عَهدَهم


(١) «روضة الطالبين» (١٠/ ٦٠، ٦١)، وانظر: «مغني المحتاج» (٤/ ١٢٨)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>