للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُبوَّتِه، فأمَرَه أنْ يَقرأَ في نَفسِه ولم يَأمرْه إذ ذاك بتَبليغٍ، ثم أنزَلَ عليه: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)[المدثر: ١، ٢]. فنبَّأَه قَومَه، ثم أنذَرَ من حولَهم من العَربِ ثم أنذَرَ العَربَ قاطِبةً ثم أنذَرَ العالَمينَ.

فأقام بِضعَ عَشرةَ سَنةً بعدَ نُبوَّتِه يُنذِرُ بالدَّعوةِ بغيرِ قِتالٍ ولا جِزيةٍ ويُؤمرُ بالكَفِّ والصبْرِ والصَّفحِ، ثم أذِنَ له في الهِجرةِ وأذِنَ له في القِتالِ، ثم أمَرَه أنْ يُقاتِلَ مَنْ قاتَلَه ويَكفَّ عمَّن اعتزَلَه ولم يُقاتلْه، ثم أمَرَه بقتالِ المُشرِكينَ حتى يَكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ، ثم كانَ الكُفارُ معه بعدَ الأمرِ بالجِهادِ ثَلاثةَ أقسامٍ: كانُوا أهلَ صُلحٍ وهُدنةٍ، وأهلَ حَربٍ، وأهلَ ذِمةٍ، فأمَرَ أنْ يُتمَّ لأهلِ العَهدِ والصُّلحِ عَهدَهم، وأنْ يُوفِّيَ لهم به ما استَقامُوا على العَهدِ، فإنْ خافَ منهم خيانةً نبَذَ إليهم عَهدَهم ولم يُقاتلْهم حتى يُعلِمَهم بنَقضِ العَهدِ، وأمَرَ أنْ يُقاتِلَ مَنْ نقَضَ عَهدَه، ولمَّا نزَلَت سُورةُ «بَراءةٌ» نزَلَت ببَيانِ حُكمِ هذه الأقسامِ كلِّها، فأمَرَ أنْ يُقاتِلَ عَدوَّه من أهلِ الكِتابِ حتى يُعطُوا الجِزيةَ أو يَدخُلوا في الإسلامِ، وأمَرَه فيها بجِهادِ الكُفارِ والمُنافِقينَ والغِلظةِ عليهم، فجاهَدَ الكُفارَ بالسَّيفِ والسِّنانِ، والمُنافِقينَ بالحُجةِ واللِّسانِ، وأمَرَه فيها بالبَراءةِ من عُهودِ الكُفارِ ونَبذِ عُهودِهم إليهم، وجعَلَ أهلَ العَهدِ في ذلك ثَلاثةَ أقسامٍ هي:

قِسمٌ: أمَرَه بقِتالِهم وهُم الذين نَقضُوا عَهدَه ولم يَستقِيموا له، فحارَبُهم وظهَرَ عليهم.

وقِسمٌ: لهم عَهدٌ مُؤقَّتٌ لم يَنقُضوه ولم يُظاهِروا عليه، فأمَرَه أنْ يُتِمَّ لهم عَهدَهم إلى مُدَّتِهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>