أحَدُها: أنه قد نَصَّ سُبحانَه على تَحريمِ ما لم يُذكَرْ عليهِ اسمُه، ونهَى عن أكلِه، وأخبَرَ أنه فِسقٌ، وهذا تَنبيهٌ على أنَّ ما ذُكرَ عليهِ اسمُ غيرِه أشَدُّ تَحريمًا وأَولى بأنْ يكونَ فِسقًا.
الثاني: أنَّ قولَه: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥] قد خُصَّ بالإجماعِ، وأما ما أُهلَّ به لغيرِ اللهِ فلم يُخَصَّ بالإجماعِ، فكانَ الأخذُ بالعُمومِ الذي لم يُجمَعْ على تَخصيصِه أَولى مِنْ العُمومِ الذي قد أُجمعَ على تَخصيصِه.
الثالِثُ: أنَّ اللهَ سُبحانَه قالَ: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، فحصَرَ التحريمَ في هذهِ الأربعةِ، فإنها مُحرَّمةٌ في كلِّ مِلةٍ، لا تُباحُ بحالٍ إلا عندَ الضَّرورةِ، وبدَأَ بالأخفِّ تَحريمًا ثمَّ بما هو أشَدُّ منه، فإنَّ تَحريمَ المَيتةِ دونَ تَحريمِ الدمِ؛ فإنه أخبَثُ منها، ولَحمُ الخنزيرِ أخبَثُ منها، وما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ أخبَثُ الأربَعةِ.
ونَظيرُ هذا قَولُه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)﴾ [الأعراف: ٣٣]، فبدَأَ بالأسهَلِ تَحريمًا ثمَّ ما هو أشَدُّ منه إلى أنْ ختَمَ بأغلَظِ المُحرَّماتِ، وهو القَولُ عليهِ بلا عِلمٍ، فما أُهلَّ به لغيرِ اللهِ في الدَّرجةِ الرابعةِ مِنْ المُحرَّماتِ.
الرابعُ: أنَّ ما أُهلَّ به لغيرِ اللهِ لا يَجوزُ أنْ تأتِيَ شَريعةٌ بإباحتِه أصلًا؛ فإنه بمَنزلةِ عِبادةِ غيرِ اللهِ.