ولأنَّ المَقصودَ إخراجُ الدمِ المَسفوحِ، وهو يَخرجُ بالجَرحِ عادةً ولا يَتخلَّفُ عنه إلا نادِرًا، فأُقيمَ الجَرحُ مَقامَه كما في الذَّكاةِ الاختِياريةِ والرَّميِ بالسَّهمِ، ولأنه إذا لم يَجرحْه صارَ مَوقوذةً وهي مُحرَّمةٌّ بالنصِّ.
ولا يَحلُّ بالكَسرِ؛ لأنه لا يُنهِرُ الدمَ، فصار كالخَنقِ، وعن أبي حَنيفةَ: إذا كسَرَ عُضوًا منه أُكلَ؛ لأنه جِراحةٌ باطِنةٌ، ولو أصابَ السَّهمُ ظِلفَ الصَّيدِ أو قَرنَه فإنْ وصَلَ إلى اللحمِ فأدماهُ أُكلَ، وإلا فلا.
وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ في رِوايةٍ عنهُما وأشهَبُ مِنْ المالِكيةِ والشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنه لا يُشترطُ جَرحُ الصَّيدِ، ويُباحُ أكلُه إنْ تَحاملَتِ الجارِحةُ على الصَّيدِ فقتَلَتْه بثِقلِها ولم تَجرحْه؛ لعُمومِ قولِه تعالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤] مُطلَقًا مِنْ غيرِ قَيدٍ بالجَرحِ، فمَن شرَطَه فقدْ زادَ على النصِّ.
وكذا ما جاءَ في حَديثِ عَديٍّ وثَعلبةَ يَدلُّ على ذلكَ؛ لأنه مُطلَقٌ، فيَجري على إطلاقِه، وإلا لَزمَ نَسخُه بالرأيِّ، وهو لا يَجوزُ.
فعَن عَديِّ بنِ حاتمٍ ﵁ قالَ: سَألتُ رَسولَ اللهِ ﷺ فقُلتُ: إنَّا قَومٌ نَتصيَّدُ بهذه الكِلابِ؟ فقال:«إذا أرسَلْتَ كِلابَكَ المُعلَّمةَ وذَكَرتَ اسمَ اللهِ فكُلْ ممَّا أمسَكْنَ عليكَ، إلا أنْ يَأكلَ الكَلبُ فلا تَأكلْ، فإني أخافُ أنْ يَكونَ إنِّما أمسَكَ على نَفسِهِ، وإنْ خالَطَها كَلبٌ مِنْ غَيرِها فلا تَأكلْ»(١).