الأكلُ كالذَّبحِ، ولأنه جارحٌ أبيحَ صَيدُه، فلمْ يَمنعْ أكلُه مِنْ الصَّيدِ كالبازِي، ولأنه يَأتمرُ إذا أُمِرَ ويَنزجرُ إذا زُجِرَ، فإذا صادَ بعدَ الإرسالِ جازَ أكلُه، أصلُه إذا أمسَكَ عن أكلِهِ، ولأنَّ أكْلَ الجارحِ بعدَ تَلفِ المَصيدِ لا يَمنعُ أكْلَه، أصلُه إذا كانَ بعدَ مُهلةٍ، ولأنَّ ترْكَ الأكلِ لو كانَ مِنْ شَرطِ التَّعليمِ لم يَجُزِ البِدارُ بأخذِ الصَّيدِ مِنْ فَمِ الكَلبِ حينَ عَقرِه ووجَبَ التوقُّفُ عليهِ ليُنظَرَ هل أكَلَ منهُ أو لا، وذلكَ باطلٌ، ولأنَّ عقْرَه له قبْلَ الأكلِ لا يَخلُو أنْ يكونَ ذَكاةً أو غيرَ ذَكاةٍ، فإنْ لم يَكنْ ذَكاةً فلمْ يَجُزْ أكلُه وإنْ أمسَكَ عنه، وذلكَ باطلٌ، وإنْ كانَ ذَكاةً لم يَضرَّ ما طرَأَ عليهِ مِنْ بعدُ، كما لو أكَلَ منهُ غيرُه، فإنْ كانَ نِزاعًا وجَبَ التوقُّفُ عنه على ما ذكَرْناهُ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ -وهو مَرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ وأبي هُريرةَ ﵄ إلى أنَّ مِنْ شَرطِ صحَّةِ الأكلِ ممَّا صادَه أنْ لا يَأكلَ منه؛ لقَولِه ﷿: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]، في الآيَةِ الكَريمةِ إشارةٌ إلى أنَّ حَدَّ تَعليمِ الكَلبِ وما هو في مَعناهُ ما قُلنَا، وهو الإمساكُ على صاحبِه وتَركُ الأكلِ منهُ؛ لأنه
(١) «الاستذكار» (٥/ ٢٧٨، ٢٧٩)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٣٥٧، ٣٥٩)، و «المعونة» (٢/ ٤٥٠)، و «الذخيرة» (٤/ ١٧١، ١٧٢)، و «الحاوي الكبير» (١٥/ ٨، ٩)، و «البيان» (٤/ ٥٤٢، ٥٤٤)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٧٠٣)، و «شرح صحيح مسلم» (١٣/ ٧٥، ٧٦)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٧٨، ٤٧٩)، و «مغني المحتاج» (٦/ ١١٩، ١٢٠)، و «المغني» (٩/ ٢٩٥، ٢٩٦)، و «الكافي» (١/ ٤٨٤)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٣٦).