للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه ﷿: ﴿فَلَا تَقُلْ لَا لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣] وأنه كِنايةٌ عن كَلامٍ فيه ضَربٌ إيذاءٌ، ومَعلومٌ أنَّ مَعنَى التأذِّي بتَركِ الإنفاقِ عليهِما عندَ عَجزِهما وقُدرةِ الوَلدِ أكثَرُ، فكانَ النهيُ عن التَّأفيفِ نَهيًا عن تَركِ الإنفاقِ دَلالةً كما كانَ نَهيًا عن الشَّتمِ والضَّربِ دَلالةً.

وأمَّا السُّنةُ: فرُويَ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ رَجلًا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ ومعَه أبُوه فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنَّ لي مَالًا وإنَّ لي أبًا وله مالٌ، وإنْ أبِي يُريدُ أنْ يَأخذَ مالِي، فقالَ رَسولُ اللهِ : «أنتَ ومالُكَ لأبيكَ» (١)، أضافَ مالَ الابنِ إلى الأبِ بلَامِ التَّمليكِ، وظاهِرُه يَقتضِي أنْ يَكونَ للأبِ في مالِ ابنِه حَقيقةُ المِلكِ، فإنْ لم تَثبُتِ الحَقيقةُ فلا أقَلَّ مِنْ أنْ يَثبتَ له حَقُّ التَّمليكِ عندَ الحاجَةِ.

ورُويَ عن النبيِّ أنه قالَ: «إنَّ أطيَبَ ما يَأكلُ الرَّجلُ مِنْ كَسبِه، وإنَّ ولَدَه مِنْ كَسبِه، فكُلوا مِنْ كَسبِ أولادِكُم» (٢)، أي: إذا احتَجتُم إليه بالمَعروفِ، والحَديثُ حُجةٌ بأوَّلِه وآخِرِه، أما بآخِرِه فظاهِرٌ؛ لأنه أطلَقَ للأبِ الأكلَ مِنْ كَسبِ وَلدِه إذا احتَاجَ إليه مُطلقًا عن شَرطِ الإذنِ والعِوضِ، فوجَبَ القَولُ به.

وأما بأوَّلِه فلِأنَّ معنَى قَولِه: «وإنْ ولَدَه مِنْ كَسبِه»، أي: كَسبُ وَلدِه مِنْ كَسبِه؛ لأنه جعَلَ كسْبَ الرَّجلِ أطيَبَ المَأكولِ، والمَأكولُ كَسبُه لا نَفسُه،


(١) حَدِيثٌ صَحيحٌ: تقدَّمَ.
(٢) حَدِيثٌ صَحيحٌ: تقدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>