للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أعلَمُ أحَدًا خالَفَ هَؤلاءِ إلا الحكَمَ فإنه قالَ في امرَأةٍ خرَجَتْ مِنْ بَيتِ زوجِها عاصِيةً: لها نَفقةٌ.

قالَ أبو بَكرٍ: الأولُ أصَحُّ (١)، قالَ ابنُ قُدامةَ : ولَعلَّه يَحتجُّ بأنْ نُشوزَها لا يُسقطُ مَهرَها، فكَذلكَ نَفقتُها.

ولنا: إنَّ النَّفقةَ إنما تَجبُ في مُقابلةِ تَمكينِها؛ بدَليلِ أنها لا تَجبُ قبلَ تَسليمِها إليهِ، وإذا منَعَها النَّفقةَ كانَ لها مَنعُه التَّمكينَ، فإذا مَنعتْه التمكينَ كانَ له مَنعُها مِنْ النَّفقةِ كما قبلَ الدُّخولِ، وتُخالِفُ المَهرَ؛ فإنه يَجبُ بمُجرَّدِ العَقدِ، ولذلك لو ماتَ أحَدُهما قبلَ الدُّخولِ وجَبَ المَهرُ دونَ النَّفقةِ.

فأمَّا إذا كانَ لهُ منها وَلدٌ فَعليهِ نَفقةُ وَلدِه؛ لأنها واجِبةٌ له، فلا يَسقطُ حقُّه بمَعصيتِها كالكَبيرِ، وعليه أنْ يُعطيَها إيَّاها إذا كانَتْ هي الحاضِنةَ له أو المُرضِعةَ له، وكذلك أجرُ رَضاعِها يَلزمُه تَسليمُه إليها؛ لأنه أجرٌ ملَكَتْه عليهِ بالإرضاعِ لا في مُقابَلةِ الاستِمتاعِ، ولا يَزولُ بزَوالِه.

وإذا سقَطَتْ نَفقةُ المَرأةِ بنُشوزِها فعادَتْ عن النُّشوزِ والزَّوجُ حاضِرٌ عادَتْ نَفقتُها؛ لزَوالِ المُسقِطِ لها ووُجودِ التمكينِ المُقتضي لها، وإنْ كانَ غائبًا لم تَعُدْ نَفقتُها حتى يَعودَ التَّسليمُ بحُضورِه أو حُضورِ وكيلِه أو حُكمِ الحاكمِ بالوُجوبِ إذا مضَى زَمنُ الإمكانِ (٢).


(١) «الإشراف» (٥/ ١٥٩، ١٦٠)، و «بدائع الصنائع» (٤/ ٢٢)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٥٣).
(٢) «المغني» (٨/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>