وفارَقَ نَفقةَ الأقاربِ؛ فإنها صِلةٌ يُعتبَرُ فيها اليَسارُ مِنْ المنفِقِ والإعسارُ ممَّن تَجبُ له، وجَبَتْ لتَزجيةِ الحالِ، فإذا مَضَى زَمنُها استَغنَى عنها، فأشبَهَ ما لو استَغنَى عنها بيَسارِه، وهذهِ بخِلافِ ذلكَ.
إذا ثبَتَ هذا فإنه ترَكَ الإنفاقَ عَليها مع يَسارِه، فعَليهِ النَّفقةُ بكَمالِها، وإنْ ترَكَها لإعسارِه لم يَلزمْه إلا نَفقةُ المُعسِرِ؛ لأنَّ الزائدَ سقَطَ بإعسارِه (١).
وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا كانَ مَليئًا غيرَ مُعسِرٍ فأنفَقَتِ الزوجةُ مِنْ مالِها على نَفسِها فإنَّ هذا الدَّينَ يَثبتُ في ذمَّتِه ويَكونُ دَينًا عليه تُطالِبُه، سَواءٌ كانَ حاضِرًا أم غائبًا، وأما إذا أنفَقتْ على نفسِها في غَيبتِه أو في حَضرتِه وهو مُعسِرٌ فلا شيءَ لها عليهِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧]، وهذا مُعسِرٌ لم يُؤتِه شَيئًا فلا يُكلَّفُ بشَيءٍ.
فإذا سقَطتْ فأنفَقتْ على نَفسِها شَيئًا في زَمنِ إعسارِه فإنها لا تَرجعُ عليه بشَيءٍ مِنْ ذلكَ؛ لأنها ساقِطةٌ عنه في هذه الحالةِ، وتُحمَلُ على التَّبرعِ، وسَواءٌ كانَ في حالِ الإنفاقِ حاضِرًا أو غائبًا، والمُرادُ بالسُّقوطِ عَدمُ اللزومِ؛ لانتِفاءِ تَكليفِه حينَ العُسرِ.
(١) «النجم الوهاج» (٨/ ٢٦٦)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٧٤، ١٧٥)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٢٠٨)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٢٤٥)، و «الديباج» (٣/ ٦٣٥)، و «المغني» (٨/ ١٦٦)، و «زاد المعاد» (٥/ ٥٠٨)، و «المبدع» (٨/ ١٩٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٥٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٦٥٨)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٦٢٥)، و «منار السبيل» (٣/ ١٩٣).