الإحدادَ على المَيتِ مِنْ تَعظيمِ مُصيبةِ المَوتِ التي كانَ أهلُ الجَاهليةِ يُبالغونَ فيها أعظَمَ مُبالَغةٍ، وتَمكثُ المَرأةُ سَنةً في أضيَقِ بيتٍ وأوحَشِه، لا تَمسُّ طِيبًا ولا تَدهنُ ولا تَغتسلُ إلى غيرِ ذلكَ ممَّا هو تَسخُّطٌ على الربِّ وأقدارِه، فأبطَلَ اللهُ بحِكمتِه سُنةَ الجَاهليةِ، وأبدَلَنا به الصبْرَ والحَمدَ.
ولمَّا كانَتْ مُصيبةُ المَوتِ لا بُدَّ أنْ تُحدِثَ للمُصابِ مِنْ الجَزعِ والألَمِ والحزنِ ما تَتقاضاهُ الطِّباعُ سمَحَ لها الحَكيمُ الخَبيرُ في اليَسيرِ مِنْ ذلكَ، وهو ثَلاثةُ أيامٍ، تَجدُ بها نوعَ راحةٍ، وتَقضِي بها وَطرًا مِنْ الحُزنِ، وما زادَ فمَفسدتُه راجِحةٌ، فمنَعَ منه، والمَقصودُ: أنه أباحَ لهُنَّ الإحدادَ على مَوتاهنَّ ثَلاثة أيامٍ، وأما الإحدادُ على الزوجِ فإنه تابعٌ للعدَّةِ بالشُّهورِ، وأما الحامِلُ فإذا انقَضَى حَملُها سقَطَ وُجوبُ الإحدادِ، وذكرَ أنه يَستمرُّ إلى حينِ الوَضعِ، فإنه مِنْ تَوابعِ العدَّةِ، ولهذا قُيِّدَ بمُدتِها، وهو حُكمٌ مِنْ أحكامِ العدَّةِ وواجِبٌ مِنْ واجباتِها، فكانَ معَها وجودًا وعدمًا.
وقالَ: وهو مِنْ مُقتضياتِها ومُكملاتِها، فإنَّ المَرأةَ إنما تَحتاجُ إلى التزيُّنِ والتجمُّلِ والتعطُّرِ لتَتحبَّبَ إلى زَوجِها وتَردَّ لها نفسَه ويَحسنَ ما بينَهُما مِنْ العِشرةِ، فإذا ماتَ الزَّوجُ واعتدَّتْ منه وهيَ لم تَصلْ إلى زَوجٍ آخَرَ، فاقتَضَى تَمامُ حقِّ الأولِ وتَأكيدُ المَنعِ مِنْ الثاني قبلَ بُلوغِ الكِتابِ أجَلَه أنْ تُمنعَ ممَّا تَصنعُه النساءُ لأزواجِهنَّ، معَ ما في ذلكَ مِنْ سدِّ الذَّريعةِ إلى طَمعِها في الرَّجالِ وطَمعِهم فيها بالزِّينةِ والخِضابِ والتطيُّبِ (١).