للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخَلْتُ على زينبَ بنتِ جَحشٍ حينَ تُوفِّيَ أخُوها، فدَعَتْ بطِيبٍ فمَسَّتْ ثمَّ قالَتْ: ما لي بالطِّيبِ مِنْ حاجةٍ، غيرَ أني سَمعتُ رَسولَ اللهِ على المِنبَرِ: «لا يَحِلُّ لامرَأةٍ تُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ تُحِدُّ على مَيتٍ فوقَ ثَلاثٍ، إلا على زَوجٍ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا» (١).

فأباحَ النبيُّ أنْ تُحِدَّ المَرأةُ على غيرِ زَوجِها مِنْ ذَوِي مَحارمِها ثلاثةَ أيامٍ لِما يَغلبُ مِنْ لَوعةِ الحُزنِ ويَهجمُ مِنْ أليمِ الوَجدِ، ولم يُوجبْ ذلكَ عليها، قالَ ابنُ بطَّالٍ : وهذا مَذهبُ الفُقهاءِ، وحرَّمَ عليها مِنْ الإحدادِ ما فوقَ ذلكَ.

وممَّا يَدلُّ على أنَّ الإحدادَ في الثلاثةِ أيامٍ على غيرِ الزوجِ غيرُ واجِبٍ إجماعُ العُلماءِ على أنَّ مَنْ ماتَ أبوها أو ابنُها وكانَتْ ذاتَ زوجٍ وطالَبَها زوجُها بالجِماعِ في الثلاثةِ الأيامِ التي أبيحَ لها الإحدادُ فيها أنه يُقضَى له عليها بالجِماعِ فيها، ونَصَّ التَّنزيلُ أنَّ الإحدادَ على ذواتِ الأزواجِ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا واجبٌ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ حَجرٍ : واستدلَّ به على جَوازِ الإحدادِ على غيرِ الزَّوجِ مِنْ قَريبٍ ونحوِه ثَلاثَ لَيالٍ فما دُونَها وتَحريمِه فيما زادَ عليها، وكأنَّ هذا القدرَ أبيحَ لأجْلِ حظِّ النفسِ ومُراعاتِها وغَلبةِ الطِّباعِ البَشريةِ، ولهذا تَناولَتْ أمُّ حَبيبةَ وزَينبُ بنتُ جَحشٍ الطِّيبَ لتَخرجَا عن


(١) أخرجه البخاري (١٢٢٢)، ومسلم (١٤٨٦).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٣/ ٢٦٨، ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>